بغداد- سوزان الشمري

أن تقضي ساعات يومك تستظل خلف قطعة من القماش تحلم بستر جدار فأنت غريب في وطنك، أن تقضي يومك تراقب دورك في طابور يستهلك العمر لأجل بضع لترات من الماء لا تسد الظمأ وأنت من بلاد الرافدين وعلى أرضها فأنت غريب في وطنك، أن تتسرب الأمية إليك وتغدو جاهلاً لأبجديتك وتغض الطرف عن تاريخك كأول إنسان عرف الكتابة ومهد لأولى الحضارات فانت غريب في وطنك.

أن تعيش في ارض وتحت سماء وطن تنتمي إليه بحكم الأقدار، وتنتسب لتاريخه دونما حقوق فأنت عراقي تحت عنوان "التهجير" وصفة "النزوح".

تكتنف حياة التهجير لمواطني النزوح في المحافظات والمناطق التي تعرضت للإرهاب في العراق معاناة اقل ما توصف بالغير مؤهلة للعيش البشري دون التفاتة حكومية، فالمهجرين والنازحين اليوم بعيدين عن صراع الكتلة النيابية الأكبر، ولا يقطن رئيس الوزراء المقبل بين خيامهم وبيوت الصفيح التي تأويهم.

في بغداد العاصمة اكبر المدن والمحافظات العراقية التي استقطبت عدد من المهجرين إبان سيطرة الإرهاب على مدن الشمال والغرب لمحافظات ( الانبار وصلاح الدين والموصل) يعيش نازحوها ممن اتخذوا من مناطق الإطراف ملجأ لهم بعد حياة التهجير ليؤسروا تحت سياط شغف العيش والإهمال الحكومي.

في مناطق النهروان وحي المعامل وحي النصر ومعسكر الرشيد وحي طارق، المحاذية لمدينة الصدر ببغداد، يعيش مئات المهجرين يروون عبر وكالة النبأ للأخبار معاناتهم التي لا تجد لها أذنا صاغية وسط صراع سياسي محتم على المناصب السيادية.

أم روان اربعينة استشهد زوجها وثلاث من أبنائها في حروب الإرهاب مع داعش في الموصل، تسكن هي وابنتها الوحيدة احد عشوائيات النزوح في معسكر الرشيد غرب بغداد.

أم روان تقول "نسكن بيوت الصفيح وقد أكلت حشرة النسيان ضمير قادة الشعب فلا من معين ولا من مكترث لمعاناتنا سوى وجوه نراها في موسم الانتخابات".

امجد اللهيبي مهجر آخر يسكن ذات المكان مع أسرته المكونة من خمسة عشر شخص ببيت لا يصلح لعيش الحيوانات كما يقول اللهيبي، الذي انتقد الصراع السياسي على حكم البلاد فيما يعيش مواطني هذا البلاد حياة الضياع.

اللهيبي يبين ان "من بين أسرته ستة أطفال يفترض أن يستعدوا لعامهم الدراسي الجديد إلا أنهم اليوم يقضون جل وقتهم وهم يبحثون عن لقمة العيش بين مكبات النفايات أو غسيل السيارات".

في مخيم آخر، يقع على طريق الحسينية شرق بغداد، تقطن 75 عائلة نازحة. ويقول وليد ابو رافد 48 سنة وهو نازح من الأنبار إن "مسؤول المخيم وأهالي المنطقة وخارجها يساعدوننا دائما على قدر المستطاع".

يعيش مع والدته وزوجته وأطفاله الأربعة بالمخيم بكرفان منذ نحو خمس سنوات بعد أن كان يعمل بعقد لدى وزارة التجارة لكن داعش احتل المحافظة وسرق بيته فهرب وعائلته إلى بغداد ورغم انه أفضل حال من غيره في المخيم كونه موظف ويمتلك مردود الا ان ابو رافد يشكو حالة الإهمال وتفشي الإمراض والعوز الذي يطال بقية الاسر من محدودي الدخل في المخيم.

وكانت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة كشفت إن عدد النازحين داخل العراق تراجع من 5.8 ملايين إلى مليونين. بعد موجة النزوح عند اجتياح تنظيم "داعش" شمالي وغربي العراق صيف 2014، وسيطرته على ثلث مساحة البلد العربي.

مدير أعلام مفوضية حقوق الإنسان، جواد الشمري، اعتراف بأن مخيمات النازحين لا تصلح لعيش مواطن يحمل الجنسية العراقية.

وقال الشمري لــ(النبأ للأخبار) أن "المخيمات تعاني من شح الدواء خصوصا في الإمراض الجلدية والصدمات النفسية والأوبئة".

مؤكداٍ أن "النازحين لا زالوا يعيشون مأساة إنسانية كبيرة وما زالت الإخطار محدقة بهم في كل الجوانب الإنسانية ولا توجد المعايير الإنسانية البسيطة للنازحين وحتى المخيمات في هذا الوضع يعد انتهاك لكرامة الإنسان العراقي".

وحدثت موجة النزوح الكبرى عندما بدأت القوات العراقية حملات عسكرية متعاقبة، ضمن حرب استمرت ثلاث سنوات وانتهت في ديسمبر الماضي بهزيمة تنظيم "داعش" واستعادة الأراضي العراقية. انتهى/خ.

اضف تعليق