كربلاء / عدي الحاج

يعاني معظم الشباب العراقي من حيرة البحث عن العمل الذي بات يشغل أكبر إهتماماته، فهو يعيش صراع البحث مهما كانت ظروف العمل نفسه، والصراع قائم أيضاً ما بين أن يكون العمل حكومي أم قطاع خاص، إذ يطمح البعض من الشباب في العراق الى الحصول على وظيفة دائمية تضمن لهم الحصول على تقاعد مجزي بعد سنوات الخدمة، رغم أنّ أجور الخدمة الحكومية غير مجزية نوعاً ما، والبعض الآخر منهم يبحث عن فرص مثمرة تحقّق له مكاسب كبيرة في زمن وجيز، والبعض يرتضي بأي عمل قد يتوفّر، وربّما هو غير متوفّر أصلاً.

الفرق بين القطاعين العام والخاص

يتميز القطاع العام عن القطاع الخاص بمجموعة من الميزات والإختلافات منها، أنّه يكون أكثر إستقراراً بالنسبة للأمان الوظيفي حيث لا يحدث أن يتم تسريح للموظفين مثل القطاع الخاص، وكذلك تكون ساعات العمل فيه قليلة من (6 – 7) ساعات يومياً، والإجازات الرسمية أكثر من القطاع الخاص، وهناك تنظيم في السلم الوظيفي يتم من خلال قوانين تمّ تشريعها في القانون الإداري، أمّا فيما يخص القطاع الخاص وما يتميّز به، فأنّه لا يشترط أن تعمل بشهادتك الاكاديمية، فتستطيع أن تعمل في أي قسم آخر ليس بنفس مجال الشهادة وتكون الأجور أكبر ممّا عليه في القطاع العام، ويمكن للعامل فيه من إظهار خبراته المهنية والعمل على التطوير بشكل دائم.

تقلّبات فرص العمل بين القطاعين

يقول البائع عبد الهادي محمّد (28) عام لوكالة النبأ للأخبار، انه "بعد التغيير الذي حصل في نظام البلاد السياسي عام 2003م وجدّت نفسي والكثير من أقراني الشباب نميل صوب العمل الحكومي أي القطاع العام أكبر من العمل في القطاع الخاص، ولكن بعد صراع الكتل السياسية في الحصول على غنائم فرص التعيينات وإنحصارها بكوادرها، وغلاء سعر تأشيرة التعيين في بورصة سوق العمل بـ (الواسطة)، إضافةً الى إعلان الحكومة العراقية بما أسمته (التقشّف الحكومي) وإنهيار إقتصادها، سبّب لدى أغلب الشباب التخوّف من المجهول علاوةً على ضعف أداء مؤسسات القطاع العام في توفير فرص عمل للعاطلين وعدم الثقة بقادتها، وهذا ما ولّد لدى جميع الشباب غياب الثقة بالمستقبل وبأنّفسهم قبل كل شيء، ممّا دفع بإنحسار فرص النجاح في العمل الخاص نتيجة التقلّبات الإقتصادية الحادّة في وضع البلد المتعثّر".

فيما يقول (علي أحمد 32 عام – خريج جامعة)، أنّ "وظائف القطاع الخاص في العراق على عكس معظم بلدان العالم، تفقد جاذبيتها بالنسبة لمعظم شبابه الباحثين عن عمل يُليق بهم، حيث تُعاني تلك الوظائف من تدنّي في الرواتب والمخصّصات، إضافةً الى إنعدام شبه كامل لحقوق الموظف في حالات الفصل التعسّفي وفقدانه حق الحصول على التقاعد بعد بلوغه السن القانونية، لذا نسعى نحن شريحة الخريجين العاطلين عن العمل الى الحصول على فرصة تعيين في القطاع الخاص وإن كانت بمبالغ زهيدة، على الرغم أنّ الكثيرين منّا يفضّلون وظيفة حكومية لأنّها ذات مستقبل".

أسباب تقف أمام حلم الشباب

يقول الخبير الإجتماعي د. حيدر ما شاء الله، انه "لا شك أنّ الوظيفة أصبحت اليوم حلماً لكل شاب عراقي، ويُجبر أغلب الشباب العراقيين على الإلتحاق بوظيفة في إحدى منشآت القطاع الخاص بسبب ظروفهم الصعبة وقلّة الوظائف الحكومية المتاحة والخوف من شبح البطالة وضياع سنوات العمر دون جدوى وتدنّي المستوى المعيشي للشاب ولأسرته، على الرُغم من أنّ بعض الشباب يكونوا على علم بأنّ هذه الوظيفة لن تلبّي رغباتهم وقد تكون أقل من مستوى تأهيلهم الجامعي".

ويتابع ما شاء الله "إلا أنّهم وبمجرد أن ينخرطوا في العمل، ويبدءوا مشوارهم الوظيفي تجدهم وبعد فترة قصيرة يتّخذون قراراً بالبحث عن وظيفة أخرى، وبالفعل يُقدِّمون الإستقالة أو يتركوا وظائفهم كليّاً، وهنا نضع علامة إستفهام كبيرة بحجم معاناتهم، وهذه المعاناة تُطال الكثير من الشركات والمؤسسات، حيث يعزف الشباب وينفرون من العمل ولا يستمرّون فيه بل يُغادرونه فجأةً، وبإلقاء نظرة على الوضع القائم نجد أنّ أكثر من (80%) من الشباب أجمعوا على أنّ الأسباب لا تخرج عن الأسباب التالية:

1)   فترة الدوام التي يقضيها الشاب طويلة جدّاً قد تصل الى عشر ساعات أو أكثر.

2)   بعض الشركات في القطاع الخاص يُباشر فيها الموظف العمل لفترتين صباحاً ومساءً، ممّا يجعله منفصلاً عن محيطه الإجتماعي، متخلّفاً عن حضور المناسبات واللقاءات سواء كانت مع أصدقائه أو محيط عائلته.

3)   عدم شعوره بالأمان الوظيفي والإستقرار المهني، نظراً لقلّة الراتب وتدنّي مستوى الأجور في القطاع الخاص.

4)   غياب الحوافز والترقيات في القطاع الخاص وعدم وجود هيكل تنظيمي.

5)   قد يصل الحال الى إستغلال جهل الشاب على إبرام عقود عمل ذات رواتب صوريّة وغير حقيقية أعلى ممّا يتقاضاه في الواقع.

6)   الفصل التعسّفي دون مبرّرات مقنعة والحسم المستمر من الراتب المتهالك لأي قصور سواءً كان بسبب أو بدون سبب.

7)   عدم مراعاة ظروف الموظف في حال إستئذانه أو إذا أراد الخروج لمراجعة بعض الدوائر الحكومية وإنجاز مصالحه الشخصية أو الطارئة.

مطالبات بإصلاح القطاع الخاص

يقول الباحث الإقتصادي حامد الجبوري أنّ "من أسباب ضعف القطاع الخاص في العراق هو غياب القوانين التي تنظّم عمله أو تضمن حقوق العاملين فيه، لأنّ معظم من يتولّون الملف الإقتصادي في البلاد لا يهمّهم القضاء على البطالة أو حل المشاكل الإقتصادية بقدر إهتمامهم بضمان مصالحهم الشخصية". مضيفاً أنّ "غياب القوانين والتشريعات التي تحمي المنتج المحلي أدّت الى إهمال حمايته رغم أنّه يُمكن أن يُسهم في حل مشكلة البطالة بشكل كبير، وهذا الإهمال وعدم الإهتمام يدفع بالكثير من أصحاب رؤوس الأموال الجشعين الى إستغلال حاجة العاملين معهم وعدم منحهم حقوقهم بشكل كامل، فلا يوجد قانون يُجبرهم على تعديل الرواتب أو تحسينها مراعاةً لظروف العمال والموظفين".

ويُشير الجبوري، الى أنّه "مهما بلغت درجة إستغلال أصحاب العمل لهم، ورغم وجود بعض القوانين التي يُفترض أن تُعالج قضايا إقتصادية ملحّة مثل قانون حماية المستهلك وقانون التعرفة الجمركية إلا أنّها لم تدخل حيز التنفيذ عملياً بسبب عمليات الفساد المستشرية وعدم إيلائها الأولوية في التنفيذ "داعياً في الوقت ذاته الحكومة والبرلمان العراقي الجديدين الى "إصلاح القطاع الخاص وتعزيزه بقوانين توفّر الحماية والعدالة الإجتماعية للعاملين فيه والإهتمام بدراسة التجارب الناجحة في العالم المتقدّم".

فيما يقول الباحث الإقتصادي د. إيهاب النواب، أنّ "القطاع الخاص يلعب دوراً مهمّاً في عمليات التنمية ويُمكنه من توفير فرص عمل كثيرة للشباب العاطل وهو بحاجة الى دعم الدولة، كما يحتاج الى ضمانات وتشريعات تُنظّم العمل فيه وتمنح العاملين المزيد من قوانين الحماية، وعكس ذلك أتوقّع أن تشهد السنوات المقبلة المزيد من أعداد العاطلين مع إرتفاع في عمليات الفساد المالي والإداري، وهناك حاجة ماسّة لإصلاح إقتصادي ومنظومة إجراءات تُعيد دور القطاع الخاص والإنتاج الوطني بشقّيه الزراعي والصناعي". مضيفاً أنّ "حل مشكلة العاطلين عن العمل سيكون بعيداً في ظل غياب خطط حكومية جادّة أو خطوات لمحاربة الفساد المالي والإداري الذي ينخر جسد مؤسسات الدولة رغم أنّ البرامج السياسية المعلنة لجميع الأحزاب تجعل حل هذه المشكلة في مقدّمة أولوياتها، وهكذا أصبحت الطاقات الشبابية في العراق معطّلة وخارج نطاق الخدمة، حيث يعمل بعضهم في مهن هامشية لا تُناسب شهاداتهم ويتطوّع بعضهم الآخر في وحدات الجيش أو يلتحق بأحد مفاصل الشرطة بحثاً عن راتب شهري، فيما يبقى أغلبهم بإنتظار حلول حقيقية تُلامس مشاكلهم وتُخرجهم من أزماتهم".

الإعتراف بالفشل في سن القوانين

أعلن الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط في إحصائية سابقة له العام المنصرم 2017م، أنّ نسبة البطالة بين الشباب في العراق بلغت (22.6%)، بينما أعلن صندوق النقد الدولي في تقرير سابق جرى بشهر أيار 2018م، أنّ معدّل بطالة الشباب في العراق تبلغ أكثر من (40%)، فيما إحتلّت دولة قطر المرتبة الأولى في الأقل بطالة.

من جانبٍ آخر، إعترفت عضو البرلمان السابق عن محافظة كربلاء المقدسة، إبتسام الهلالي، بأنّ "نسبة العاطلين عن العمل في المحافظة بلغت (60%) ومن المرجّح إرتفاعها خلال السنوات المقبلة، ويأتي هذا في ظل فشل الحكومة في توفير فرص عمل للشباب وإرتفاع نسبة البطالة في عموم العراق". مضيفةً أنّ "الحكومتين المركزية والمحلية فشلتا في سن القوانين وهما مسؤولتان عن إرتفاع نسبة البطالة في العراق وداخل المحافظة وكذلك مسؤولتان عن توقّف المشاريع الإستراتيجية وغيرها وعدم إصلاح القطاع الخاص والنهوض به".

بين معاناة العاملين في المؤسسات الحكومية وفشل مؤسسات القطاع الخاص، تتّسع دائرة الحيرة أمام الشباب العراقي الذي ينشغل عنه الساسة وأحزابهم بتبادل الإتّهامات والخلافات والحصول على غنائم الحكومة، فضلاً عن قوائم الفساد التي تتّسع كل يوم، يغيب العلاج الشافي لحيرة جيل كامل يبحث عن مستقبل آمن. انتهى/خ.

اضف تعليق