جاءت انتخابات ٢٠١٨ لتعيد رسم الاحداث السياسية في العراق لاول مرة منذ عام 2003، اذ تحولت التحالفات من الاستقطابات الطائفية والحزبية والعرقية الى تحالفات مصلحية في اوضاع قلقة تستوجب على الكتلة الاكبر ان تعالجها وتكافح مخلفات السنوات السابقة من الفساد في مفاصل الدولة، وحل مشكلة النزوح الداخلي والخارجي لأبناء البلد والبطالة وغيرها.

وكالة النبأ للأخبار التقت الكاتب الصحفي علي الطالقاني حيث قال: "ان انتخابات 2018 دللت على تحول في الابتعاد عن الطائفية السياسية وأصبحت المصالح أعلى من ذلك، لكن الكتلتين المتنافستين بين العبادي والعامري والمالكي هي حالة لإرضاء الشارع دون جدوى، فما زالت الاغراءات مستمرة، والمحاولات الموجودة لاحتواء الكتلة الكردية ستجعل هذه الكتلة الرابح الأكبر من حيث المصالح".

ويضيف "مشاورات تشكيل الكتلة الأكبر في العلن تبحث عن مصالح وطنية وفي الخفاء تجبرها المصالح الخارجية على نهج مختلف، مرة بصبغة سياسية تحكمها اجندات سياسية وتارة تجبرها على اصطفافات مذهبية"، مشيرا الى، ان "فقدان الثقة بين جميع الكتل السياسية سيد الموقف، بالمحصلة جميع الشروط الموضوعة من اجل تشكيل الحكومة هي مصلحية وبالتالي ستكون الاتفاقات حبر على ورقع وترقيعية، فمثلا كركوك والاقليم والخلاف الامريكي الايراني وحصص الاحزاب من الوزارات كل تلك الملفات ستبقى عالقة وتنعكس على الامن الداخلي".

ويؤكد الطالقاني، في حديثه "كان أمام الحكومة فرصة لإنقاذ البلاد من أزمتها الاقتصادية ان توقف التدابير التقشفية وان تلتزم بحماية المواطنين من الأزمة، وعليها عدم خفض فرص العمل واعادة شراء الاصول المالية الداخلية وعدم سداد الديون في الوقت الحالي، يضاف الى ذلك استثمار خفض سعر الدينار من خلال المبيعات للموارد المحلية، ولا يفوتها ان تحكم الحكومة سيطرتها على تدفق رأس المال والعملات الأجنبية وعدم خروج الاموال من البلاد".

ويمضي الكاتب، مؤكدا ان "الانتهاكات المستمرة لم تخلق قيادات سياسية واجتماعية باستطاعتها ان تنهي هذه الانتهاكات كما لم تعطي الصراعات الملتهبة ثقة في ظهور ادوار سياسية واجتماعية بحيث تستطيع ان تلعب سياسات تعبوية من أجل الخلاص من المأزق الذي نعيشه".

ويتابع، "اي حراك اجتماعي لا ينبغي ان يكتفي بوسائل التواصل الاجتماعي بل يتعدى ذلك الى ان يكون مرئيا ويحتل مساحات تلعب دورا رئيسياً في تاريخ التغيير، ويتم ذلك بعدة عناصر، ان يكون الحراك جماعي وقبل ذلك هناك الاستعداد النفسي والتغلب على الخوف وهذا بداية الطريق، والامر الاخر بناء مجتمع حر يتمتع برمزية وان تكون الحملات مستمرة بطرق سلمية وبلا هوادة"، موضحا ان " كل ما كان التنظيم اقل هرمية ومشاركة واسعة يجعل من الحركات الاجتماعية متجددة".

ويعطي الكاتب امثلة وتصورات لما ينبغي ان يحصل حيث يقول، "مثال على ذلك في عام 1966 تظاهر أكثر من 120,000 من الهندوس ضد ذبح الأبقار يتقدمهم رجال دين وفئات مختلفة، وكثيرا ما تسببت هذه التظاهرات بحروب بين حزب المؤتمر وجماعات من الهندوس، بينما لم نجد ربع هذا العدد يتظاهر من أجل استحقاقات شعب محروم وقع بيد مجاميع من السراق".

ويعرج الطالقاني في حديثه على قضية البصرة التي اشغلت الرأي العام ومنصات التواصل الاجتماعي، "استقبلت صفحات الفيسبوك تفاعلات قضية تظاهرات البصرة تحديداً مادة خبرية اعلامية موجهة الى الرأي العام العراقي الى اندلاع حركة كبيرة، داعية الشعب العراقي الى تظاهرات غضب للخروج الى الشوارع".

ويشير الكاتب مقدرا جهود الجماهير البصرية وفي اثبات لاستحصال حقوقهم المشروعة، "على الرغم من الشجاعة التي أظهرها المتظاهرون في البصرة في الدفاع عن حقوقهم ضد فساد الاحزاب ومؤسسات الدولة، ظلت حركة التظاهرات عنواناً سياسياً، حيث لم تخضع لتحكم الجماعات التي تحاول تصدر المشهد وركوب الموجة، على الرغم من استمرارها بالحراك وصبرها، وكل التقدير لذلك الاصرار الذي يمثل تعبيراً عن وجود رغبة حقيقية في ايجاد معارضة تبشر بدولة فيها صوت معارض"، لافتا "هناك من يؤمن بان المظاهرات غير المنظمة ستفتقر الى الشرعية بحيث لم تنشأ بنية معارضة تراتبية ولا تكوين سياسي، واصبح اللحاق بهذه التظاهرات يعني عملياً الانضمام الى قوى احتجاجية من دون ان يترتب على ذلك التزامات تنظيمية".

ويوضح الطالقاني بأن "ما جرى في البصرة يختلف تماماً عن المسار الافتراضي الذي رُسم في صفحات الفيس بوك، اذ انطلقت تظاهرات المدن الأخرى دون أهداف سياسية ومطلبية محددة. قوبلت هذه التجمعات بأطلاق نار كما جرى في كربلاء ومدن أخرى ما أدى الى استشهاد متظاهرين وفيما بعد لم تؤخذ هذه الحوادث على محمل الجد".

ويكمل حديثه "مثلما كانت أجواء التظاهرات تصعّد أشكال التعبير عن الغضب كان الحراك الحكومي متحير بسبب الفساد المستشري وعدم وجود حكومة قوية يعترف بها الجميع".

وعن مخاطر التنظيمات الارهابية قال الطالقاني، "تنبع العقيدة العسكرية لتنظيم القاعدة من ايديولوجية فكرية تقوم على التكيف مع الخسائر وتنامي قدرته، ورغم مركزيته فهو يستعيد هيكليته التنظيمية بخفاء والدخول بحقب جديدة من مراحل العمل بشكل خافت على عكس تنظيم "داعش"، مبينا انه "يعمل بطريقة ابراز العضلات والقوة ويشترك كلا التنظيمين بإيجاد شرعية مرتبطة بالله وبالتالي فان جنودهما يعملون بتسديد وبقوة ربانية لاتقهر".

ويشير الى انه "من هنا يحاولان العودة برغم التفاوت بخسارتهما وطريقة ادارة كل تنظيم، لكن تبقى "القاعدة" هي الاخطر استراتيجياً".

ويبين الكاتب، ان "الترويج لعودة "داعش" ليس من فراغ، استغلال التصريحات بانسحاب الحشد الشعبي في قواطع كركوك والموصل ومناطق حدود سوريا في وقت لازال شرق سوريا يشكو من حواضن للتنظيم سيعيد له جزء من قوته التي افتقدها".

تابع الطالقاني حول ما انجز عسكريا على ارض الواقع بعد تحرير المدن بقوله، ان "أهم ما أنجزته القوات الامنية العراقية بعد طرد داعش انها استطاعت تفكيك الخلايا، والافضل في ذلك تمكنها من قطع التواصل بين خلايا التنظيم في خارج وداخل العراق وهذا ايضا جاء بعد تطهير الاشرطة الحدودية".

ويكمل حديثه قائلا: "كما أوجدت حالات العنف في العراق أكبر موجات لتدفق النازحين واللاجئين بحيث لم تنتهي منذ عقود وأشدها بعد عام 2003، والارقام كبيرة جدا بنسبة 15‎%‌‎ من عدد السكان وهذا لا يشمل مرحلة حرب الموصل ومدن اخرى تحررت من داعش"، لافتا الى، ان "من الملفت للنظر ان الدول خالفت قوانين حق طلب اللجوء وقفلت حدودها امام العراقيين، من جانب آخر اللاجئون والنازحون العراقيون بقيت قضيتهم بلا صوت، بل اصبحوا عرضة للاستغلال والمتاجرة".

وفي قضية استمرار معاناة العراقيين الاقتصادية والخدمية وغيرها يقول الكاتب الصحفي، ان "من المؤسف والمخجل ان يعيش شيخ عاجز في الحرمان ودموعه تجري كالثكلى متأسف على عمره الذي قضاه وكان يأمل بتحسن حالته المعيشية وينعم وسط احفاده، بينما يتنعم سراق المال العام والفاسدين أمام مرأى الجميع، أما حان الوقت ان يوضعوا في حاويات النفايات".

وعن سيل الاتهامات التي تطلق جزافا على كل من ينادي بصوت مرتفع بحقوقه المشروعة يقول الطالقاني، ان "كل ما عليك فعله ازاء اتهام الوطنيين والمستقلين اتهامهم بعدم الوطنية وانهم يشكلون خطرا على الوطن، مع الاسف لازالت الخطابات المتطرفة التي يستعملها السياسي وبعض المثقفين لزج ابناء جلدتهم في السجون، لكن الاغبياء ظلموا الناس ليس هو مغامرة، بل هو مرض نفسي يحول حياة الفرد السليمة الى حياة اجرامية تضلل حياتهم من أجل هدف غير نبيل".

وبخصوص مفهوم الدولة وعلاقتها بالمجتمع تحدث الكاتب بقوله، "لم تعد الصور واضحة في اثر الدولة على المجتمع والعكس صحيح، نحن بحاجة الى قادة سياسيون جُدد قادرون على اعادة تشكيل الدولة والمجتمع، اذ تشظى المجتمع الى احزاب وعشائر وجماعات كانت النتيجة زيادة في حدة التوتر والعنف بحيث تمكنت القوى السياسية والاجتماعية بطرق ملتوية من البقاء في المناصب".

ويضيف، ان "سياسياً مازال طابع الدولة وسياستها يشكل من خلال بيئة صراع غير محدود تحاول القوى السياسية ان تعزز قوتها محاولة السيطرة على شرائح مجتمعية، حتى وان انهارت مؤسسات بكاملها فهذا لا يهم ما دام انهم بخير ويتسنمون المناصب ويتمتعون بالامتيازات".

لم تعد المصلحة العامة ضمن معايير العمل، مؤكد "بل اصبح التزلف والتقرب لصاحب القرار على حساب العمل ومن أجل تقوية كفة الصراع لمصالح شخصية، ولا تختلف مؤسسة عن أخرى مهما كانت هويتها، وأصبحت علاقات المجتمع خالية من الاحترام والمعرفة، وبالتالي فقدان الثقة والشك ونشوء بيئة متصدعة يكون فيها الجميع خاسرا لمتعة الحب والراحة".

ويتسأل الكاتب انه "ربما لدى صاحب القرار النزيه هواجس بأن الدولة العميقة تطل بشكل متصاعد من أعماق الفساد المقيت وأن اعداءه يسومونه سوء العذاب وهم من يمسكون بمفاصل المؤسسات الحكومية ويشغلون مواقع مهمة، الارتباطات الخارجية والخيانات والمحاصصة كلها تقف حائلا دون مكافحة الفساد الذي أوعد به".

ويؤكد بان "لازالت فرصة بقاء الدكتور حيدر العبادي في منصب رئيس الوزراء قائمة، على المستوى الدولي فهو مدعوم بسبب انفتاحه على الولايات المتحدة الامريكية، اضافة الى ان بخسارته المنصب ربما تتجه العلاقات العراقية الايرانية الى الانفتاح على حساب امريكا، وقد تكشف خسارته جزء كبير من الجمهور الشعبي ودعم المرجعية الدينية عن ضعف في استراتيجيته، لكن لازال الرجل يتمتع بخطاب معتدل ومنفتح على الجميع".

وفي ما وصلت اليه وسائل الاعلام المختلفة من تراجع في المستوى على الصعيدين الشكل والمحتوى وعن المعايير المتبعة اليوم في تناول الاحداث، يقول الكاتب الصحفي، ان "الصحافة والاعلام اليوم في انهيار قل نظيره فلم تعد هناك معايير كما لم تعد هناك معرفة بأهمية العمل الصحفي وهذا أيضا سببه شخصنة العمل وفقدان الرؤية، فهناك صحفيون بلا قلم، وقلم بلا صحفيين، أيهما تنطبق على واقعنا اليوم؟ اختر ما تراه مناسباً لواقع مأساوي ولمهنة أصبحت سماتها الصراع والمصالح الشخصية".

وعن طريقة عرض المواد الاعلامية دون مراعاة اخلاقيات المهنة يشير الطالقاني الى انه، "فتحت ذريعة المهنية البرامج التلفزيونية التي تتقصى في الجرائم تتمادى دون رادع في تقدير شعور اهالي الضحايا والمواطنين، ان كانت المهنية تحتم عليكم العمل فاعملوا بطريقة لا تسيء للمواطنين".

ويعرب الكاتب عن اسفه ويبدي استغرابه من تناول الفضائيات معاناة النازحين بطريقة لا تليق بهم قائلا: "لم تنقطع الدموع عندما أشاهد معاناة النازحين والأطفال، بينهم من فقد احد ذويه الذين كانوا ينعمون في بيوتهم ويهنؤون بالعيد، والان في مخيم لايقيهم من الحر والبرد، تستعطف عليهم بعض القنوات الفضائية من أجل تقديم هدية متواضعة يفرحون بها!!".

ويختم حديثه الكاتب الصحفي علي الطالقاني مسلطا الضوء على حياة الاطفال في مخيمات النزوح بقوله، ان "الاطفال لا يخرجون عن المخيمات بسبب البؤس والفقر وهم يفتقدون لابسط ملاهي الفرح من مدن العاب وغيرها، كما الحرمان حتى من ملابس العيد، نسأل الله ان يعم عليهم الأمان والفرح، ولاوفق الله من كان سبب ذلك".انتهى/س

عامر الشيباني

اضف تعليق