تزامنًا مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وبعد سيطرة القوات الأمريكية على العاصمة بغداد، استولت هذه القوات على آلاف الوثائق والمستندات والمخطوطات والمؤلفات النادرة التي كانت محفوظة في أقبية أبنية المخابرات العراقية والمتاحف والقصور الرئاسية، ومن بين هذه الوثائق، الأرشيف اليهودي العراقي، الذي يضم آلاف الوثائق ونسخًا من التوراة، نقلتها القوات الأمريكية إلى واشنطن.

فمع اقتراب موعد إعادة الأرشيف اليهودي العراقي إلى بغداد في سبتمبر المقبل، بناءً على اتفاق الحكومة العراقية مع الولايات المتحدة في عام 2010، يمارس اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة ضغوطًا من أجل منع إعادته إلى العراق، بحجة عدم قدرة الأخير على حفظ الأرشيف وصيانته، إذ يضم الأرشيف اليهودي آلاف الوثائق التي عثرت عليها الولايات المتحدة، في قبو للمخابرات العراقية وسط بغداد مغمورًا بالمياه.

وكانت قوة أمريكية من وحدة "ألفا" مكونة من 26 جنديًّا قد عثرت مصادفة عام 2003 بُعيد الغزو، على 200 صندوق لهذا الأرشيف داخل قبو للمخابرات العراقية، وذلك أثناء تمشيط القبو بحثًا عن أدلة تشير إلى امتلاك النظام العراقي السابق لأسلحة دمار شامل، ويضم الأرشيف اليهودي العراقي عددًا كبيرًا من الصور والمستندات والوثائق ليهود العراق وتاريخهم ووثائقهم، وكذلك نسخًا من التوراة بالإضافة إلى مؤلفات نادرة قديمة يعود أقدمها إلى القرن السادس عشر.

ومن ضمن ما عثر عليه أيضًا ضمن الأرشيف اليهودي في بغداد؛ كتاب مقدس باللغة العبرية يعود إلى 400 سنة مضت، وكتاب تلمود عمره 200 سنة، علاوة على كتاب صغير لصلاة عيد الفصح من عام 1902، وكتاب صلاة باللغة الفرنسية يعود إلى عام 1930، ومجموعة من الخطب المطبوعة لحاخام من ألمانيا تعود لعام 1692، فضلًا عن مجلدات مليئة بالسجلات المدرسية لطلاب من العام 1920 إلى العام 1975.

ويذكر الباحث في تاريخ العراق الحديث، الدكتور ياسر المولى في حديث نقله موقع ساسة بوست أن "الأرشيف اليهودي العراقي الذي عثرت عليه القوات الأمريكية في بغداد يضم تاريخ اليهود في العراق، وآلاف المستندات للعوائل اليهودية التي كانت تسكن العراق قبل هجرتها".

ويضيف المولى: "الأرشيف يضم أيضًا السجل المدني ليهود العراق، بعد أن سحبه النظام السابق من السجلات المدنية العراقية واحتفظ به في مكان خاص بغية إخفائه، إضافة إلى سندات ملكية العقارات والبيوت التي كان يمتلكها اليهود في العراق قبل هجرتهم".

من بغداد إلى واشنطن وتل أبيب

رغم أن الاتفاق المبرم بين بغداد وواشنطن كان ينص على إعادة الأرشيف اليهودي إلى بغداد بعد 15 عامًا، على نقله من قبل القوات الأمريكية إلى واشنطن، إلا أنه ومع قرب موعد تنفيذ هذا الاتفاق، أفاد مصدر في وزارة الثقافة العراقية يوم السبت 22 يوليو (تموز) الماضي، أن العراق لن يستطيع استعادة أرشيفه اليهودي بسبب إصرار أعضاء في الكونجرس الأمريكي على الاحتفاظ به في واشنطن وتل أبيب.

المصدر أكد أن الحكومة العراقية طالبت واشنطن مؤخرًا بإعادة الأرشيف اليهودي العراقي الذي استولت عليه عام 2003، إلا أن أعضاء في الكونجرس الأمريكي يصروّن على إبقاء نصفه في أمريكا والنصف الآخر في تل أبيب، موضحًا أن الأرشيف يضم عشرات الآلاف من المواد اليهودية، من بينها كتب ونصوص دينية ونسخ من التوراة العراقية والكتاب المقدس العبري بالإضافة إلى التلمود البابلي، بحسبه.

وفي خضم الجهود المبذولة من اللوبي الإسرائيلي في واشنطن لمنع إعادة الأرشيف، طالب أعضاء كونجرس أمريكيون بعدم نقل هذا الأرشيف الخاص بيهود العراق إلى بغداد، حيث قدم مجموعة من أعضاء الكونجرس توصية إلى وزارة الخارجية بذلك، وتقدم زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ الأمريكي تشارلز شومر، مع كل من سينس بات تومي وآر-بنس وريتشارد بلومنتال، بتوصية إلى مجلس الشيوخ تقول:

هذه الكنوز الثقافية التي لا تقدر بثمن، مثل كتاب الصلاة ولفائف التوراة، تعود إلى اليهود وأحفادهم، الذين أُجبروا على تركها وراءهم بعدما أجبروا على ترك العراق، وعلى وزارة الخارجية أن توضح للحكومة العراقية أن هذه القطع الأثرية يجب أن تبقى في الولايات المتحدة.

وتجدر الإشارة الى أن تشارلز تومي كان قد تقدم بتوصية ومشروع قرار مشابه في عام 2014 الى الكونجرس، ومُرر حينها بالإجماع.

كنز يهود العراق الذي ظهر من العدم

آلاف الوثائق والمستندات التي يحتوي عليها الأرشيف، تجعل منه كنزًا لليهود عامة وليهود العراق خاصة، ويقول الباحث في علم الاجتماع السياسي، الدكتور نور الدين المحمودي إن: "الأرشيف اليهودي العراقي يضم تاريخ اليهود في العراق، وإن اليهود العراقيين وأحفادهم يعملون كل ما في وسعهم من أجل عدم إعادة هذا الأرشيف إلى العراق".

المحمودي يؤكد أن هناك حججًا كثيرة لليهود في ذلك، من بينها: "عدم قدرة العراق على حفظ كنز مثل هذا، فضلًا عن لزوم استمرارية صيانته، خاصة أن العراق لم يفلح في حفظ إرثه التاريخي خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية، ودائمًا ما كانت المواقع الأثرية عرضة للنهب والتخريب".

ويشير المحمودي، أن فترة سيطرة تنظيم (داعش)، على مساحات واسعة من العراق، وما فعله التنظيم في تدمير المواقع الأثرية والمتاحف ونهب المخطوطات، جعلت الجميع يشك في قدرة العراق على حفظ الموروث الثقافي للبلاد، بحسبه.

وفي ختام حديثه لفت المحمودي إلى أن اليهود لم يتوقعوا أن يكون تاريخهم في العراق ما زال محفوظًا في أقبية المخابرات العراقية، وأن عثور القوات الأمريكية عليه، شكّل فرصة لا تعوّض في سبيل الاحتفاظ به، ولذلك فإنهم لن يعيدوه بأي حال من الأحوال، حسب قوله.

وبحسب تقرير لصحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، فإن الحكومة الأمريكية أنفقت أكثر من 3 ملايين دولار في ترميم الأرشيف اليهودي، الذي عُرِض في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وحث ناشطون أمريكيون يهود الولايات المتحدة على عدم إعادة القطع الأثرية والأرشيف إلى العراق، بحجة أنها يجب أن تظل في مكان يتيح لليهود العراقيين وأحفادهم الوصول إليه، وتساءل الناشطون في التقرير ذاته عما إذا كان باستطاعة العراق الاعتناء بالأرشيف على النحو الذي يجب، في وقت لم يعد للجالية اليهودية في العراق أي وجود، بحسب قولهم. انتهى/خ.

اضف تعليق