اجتاحت التظاهرات جنوب ووسط العراق وصولا الى العاصمة بغداد، بعد ان اشُعلت جذوتها في اقصى الجنوب وبالتحديد في البصرة، احتجاجا على تردي الخدمات وقلة فرص العمل وتطول القائمة، لكن هل ستكون هذه التظاهرات اكثر تنظيما من سابقاتها وهل سيكون لها قيادة موحدة تضع أٌسس علمية لمطالبها في العيش الكريم، بهذا السؤال توجهت وكالة النبأ للأخبار الى الكاتب الصحفي علي الطالقاني، حيث يقول "تفتقد المظاهرات في العراق الى جماعات اجتماعية - سياسية تتوسط بين الحاجات الى الحكم وصلاحية الدولة من جانب وطموح المواطنين ومصالحهم من جانب آخر"، مضيفا "مع مرور الزمن ستظهر جماعات متنافسة في المصالح والارادة تهدف الى تعزيز سمعتها والمهم هنا ان لا تبتعد عن الحس الأخلاقي".

ـ هل ترى ان الاليات الديمقراطية متحققة في نظام الحكم في العراق بعد زوال الدكتاتورية عام 2003؟.

يرى الكاتب ان "ما نحتاج اليه هو اعادة النظر في مكانة الحريات واهميتها في مجتمعنا، وعلى الرغم من تآكل جرف الديمقراطية المزعومة وخصوصا منذ عام 2003، مازال المستبدون يحاولون اركاع المواطنين".

ويقترح الطالقاني "وجود قواعد لغة اجتماعية منسجمة لتمييز من هو صالح لإدارة الحكم وان ينال الثقة وايجاد مشاريع تعاونية بين الناشطين في المحافظات وهذه الجماعات الاجتماعية – السياسية".

ويؤكد في حديثه انه "في اللحظات التي تضع البلاد على المحك يتطلب مواقف واضحة بوضوح الشمس، وهاك الفرق بين اصحاب السلطة".

ويشير الكاتب الى ان الامكانيات المالية للحكومة العراقية محدودة خصوصا بعد خروج العراق من حربه مع داعش، اذ يقول "مع الامكانات الحالية لا يمكن للحكومة العراقية ان توفر متطلبات المواطنين، والحلول تكمن في وجود قيادات معارضة حقيقية مدعومة جماهيريا بعيدة عن التحزب والفساد ولها برنامج واضح بتوقيتات دقيقة، وهذا تحدي كبير امام نجاح المظاهرات".

ويتمنى الكاتب ان "يحافظ الدكتور العبادي على ما تبقى من رصيده بين النخب والكفاءات، فقد تآكل جرفه الجماهيري بسبب الاقتصاد المتردي وبعدها ما جرى في الانتخابات والان بسبب ما يحدث من تظاهرات".

ـ هل الاجراءات التي اتخذتها حكومة العبادي ابان المظاهرات العارمة تعتقد انها ناجعة للتخفيف من حدتها؟.

ويطرح الكاتب اسئلة تتردد في ذهن النخبة والعامة على حد سواء قائلا: "هناك اسئلة بحاجة الى اجابات صريحة كيف يمكن للمواطنين ان يتظاهروا ومظاهرة القوة والعنف تنتشر في الطرقات؟، اساليب القمع متعددة وتراكم الأخطاء سيزيد من مشاعر الغضب".

ويمضي بقوله ان "قطع الانترنت ليس حلا بل يزيد من غضب النخبة والمواطنين بشكل عام، ووسائل الاعلام لن تصمت ازاء ذلك وستجعل من المواطن يغير طريقة تفكيره، ومواقع الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في الازمات بمثابة جس نبض الشارع، اضافة الى الكثير منها تنفع الحكومة في توجيه مسارها وتعطي حلولا، لكن ما جرى عكس طريقة تفكير صاحب القرار كيف يقمع الحريات". وبحسب اخر الاحصائيات يقول الطالقاني ان ما تسبب به قطع خدمة الانترنيت عن العمل في العراق خسائر اقتصادية ومالية كبيرة للشركات لوحدها بمعزل عن القطاعات الاخرى نحو 40 مليون دولار يومياً.

ـ لماذا تترد اثناء التظاهرات الشعبية في خطابات بعض السياسيين المتنفذين كلمة شعبويون، ماذا يقصد بها؟.

يقول الطالقاني ان تسمية "الشعبويون مصطلح نخبوي يراد منه تجهيل دور المتظاهرين واتهامهم بقلة الوعي، لكن السؤال المنطقي في بلد تسيطر عليه مافيات الفساد واستغفال الناس والفقر المدقع ماذا تريدون منه؟ هل تريدون مظاهرات صامتة مثلا؟ ام حركات احتجاج يكون فيها الرقص والغناء؟".

ويضيف الكاتب ان "الحرمان والفقر لم يتركان امام الناس الا الخروج بهذه الطريقة، لم تدعوا للناس طريقة اخرى لحل مشاكلهم، فالذنب ليس ذنبهم انما ذنب النخب الصامتة والمتفلسفة".

ويوضح الطالقاني من خلال حديثه التالي "كثرت الأدبيات التي تناولت المظاهرات، لكننا نعلم ان بنية الفرصة السياسية تحاول استيعابها من خلال الانفتاح السياسي، في البصرة نجد الانغلاق السياسي ساد الموقف باستثناء زيارة الدكتور العبادي".

ويتابع حديثه في ذات الشأن ان "المتناقض في الامر ان هذا الانغلاق استوعب حركة المظاهرات وهذا يضعف فرصة المظاهرات في تحقيق نواياها وشعاراتها التي رفعت، بمعنى ان الفئوية كانت وراء ذلك.

ويبين الكاتب ان "في حال عدم التغيير الجزئي الذي يطالب به المواطنين ستتحول في ما بعد الى مطالبات اوسع بسبب عناد صاحب القرار في عدم الاستجابة".

ـ هل ترى ان الحكومة والسياسيين يتعاملون بجدية مع مطالب المتظاهرين؟.

يعتقد الطالقاني بأن "لم يأخذ السياسي والمسؤول لحظة دخول المتظاهرين المنطقة الخضراء على محمل الجد وحدث ما حدث، ومن ثم مطار النجف بيد المتظاهرين، تصاعد الاحداث يدركه حتى الذي لا يفهم بالسياسة"، مشيرا الى انه "كان الاجدر ان يتم تلبية حاجات المواطن، لكن بعد الان يصعب احتواء الموقف، المطلوب حلول جذرية خلال مدة استثنائية مع تقديم ضمانات".

وفي ذات السياق اشار الكاتب الى ان "المحللون والمثقفون الذين يشككون بالتظاهرات والمطالبة بالحقوق وفروا الجهد واحتفظوا بالنصيحة، فمن يتظاهر اكوته حرارة ولهيب الصيف، فمن يستطيع منكم الصمود ولو ساعة واحدة بدون تبريد وبحرارة ٥٠ ورطوبة تنقع ثيابكم؟ عواقب التظاهرات يتحملها الفاسدون والمتفلسفون".

من جهة اخرى يرى الكاتب بأن "الثعالب من السياسيين يفهمون ما حدث في محافظة البصرة، الجماهير الغاضبة سلاح ذو حدين ستحاول جهات ان تستغل الازمة. اما الاغبياء من السياسيين لا يدركون، ان ما يحدث ليس ازمة عابرة، وفي حال انعدام القيادة للجماهير الغاضبة معناه فوضى عارمة ستحرق الاخضر واليابس بسبب سياسة غبية".

ويشدد الكاتب بقوله على ان "العراقيون لهم الحق في مطالبهم، لكن محافظات بهذا الحجم والواردات لا ينبغي ان تعيش بأزمات تتوقف عليها الحياة".

ـ وفي انتقاله الى الشأن الدولي وتأثير محيط العراق الاقليمي والعالمي على الداخل، هل تعتقد انه يجب مراعاة المصالح الايرانية والامريكية في تشكيلة الحكومة المنتظرة؟.

يقول الكاتب ان "اي مواجهة امريكية ايرانية سيبرز ضررها في العراق، وبرغم التداخل المذهبي بين البلدين وتبادل المصالح، لا يمكن اجبار العراق على مقاطعة ايران لكن بنفس الوقت سيتحمل تبعات ذلك". مبينا ان "من اول هذه التبعات تأخر تشكيل الحكومة وادائها، اضافة الى انقسامات داخلية، وأن ايران ستمر بعاصفة قوية ربما ستزلزل اركان النظام السياسي وتجربة العراق قبل عام 2003 وفرض الحصار الاقتصادي تكتيك امريكي يتكرر في ايران التي تمتلك اذرع قوية، لكن يا ترى هل السياسة الايرانية ستصمد طويلا امام الضغوط".

ـ من الواضح جدا بقاء نفس الاحزاب المتنفذة وغيرهم من ذوو النفوذ من بعد التغيير ولغاية الان، هل تعتقد انها استطاعت ان تغير الواقع في البلد خصوصا وانها انشدت الديمقراطية منذ وصولها؟.

تطرق الطالقاني الى أمر بغاية الاهمية بقوله، ان "ديكتاتورية الاغلبية وجهل القيادة عاملان يضيعان حق الامم، في عالمنا اليوم تتعالى اصوات المنادين بالديمقراطية، الملفت للنظر ان هذه الاصوات لطبقة برجوازية متسلطة بثوب السلطة أو الدين أو المال ان مسها التغيير تنتفض وان سُكت عنها تسلطت أكثر مستغلة جهل وفقر المواطن، ويبقى اللوم على الناس دوما، انطلاقا من قول كيفما تكونوا يولى عليكم، لتبقى هذه الذريعة حجة تتغنى بها هذه الطبقة".

ويستفيض الكاتب بحديثه مشخصا الحالة العراقية، يقول "عندما نقارن بين مشهد لامرأة او طفل او شيخ كبير يعزف على الحر اللاهب بقطعة كارتون يستجدي نسمة هواء باردة وبين مشهد فيه الليالي الحمراء بكل مفرداتها ومضامينها تعتم الرؤية امام شلة متشرذمة قذرة تلعب بمقدرات العراقيين.

ويوصل حديثه "مأساتنا اليومية لا يمحيها كذبكم وتظاهركم بالنزاهة، لم تعد الثقة موجودة بين المواطن والمسؤول، لكن الذي يجري هو استغفال للناس، الى الان المواطن العراقي لا يعلم من اين تؤكل الكتف، والمسؤول الفاسد مسترخي بسبب جهل المواطن".

ويحدد الكاتب بأن ما يجري من على مدار العقد والنيف تقريبا من سوء للخدمات والفساد المستشري في البلد بقوله ان "مأساة الكهرباء في العراق سببها سرقة وفساد ومصالح خاصة وسوء ادارة"، ويشير الى ان "المواطن العراقي بات عاجز عن المطالبة بحقوقه لعدة اسباب، الخوف من ان يقال عنه متآمر على طائفته او على ادارة الدولة، كما انه بات يتخوف من الحرب والانقلابات، وشبكات التواصل الاجتماعي وابرزها الفيس بوك بات المتنفس الوحيد ولو تابع المسؤول سيرى حجم السخط، فلم تعد التبريرات تنفع ولا احد يصدق الوعود".

وما اشبه الامس القريب باليوم حيث يرى الكاتب الصحفي علي الطالقاني في ختام حديثه، ان "تظاهرات اليوم شبيهة بالتظاهرات ابان حكومة نوري المالكي والتي انطلقت ايضا من البصرة بعد مقتل احد المتظاهرين على يد القوات الامنية في اشتباكات معهم، ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هل سيجرى تسويف لمطالب المتظاهرين كما جرت العادة في السنوات السابقة ام ستتعامل القوى المتنفذة في السلطة بجدية وتحقق ما يصبو اليه الشعب في مطالبه المشروعة. انتهى/خ.

عامر الشيباني

اضف تعليق