سريعا وبعد ساعات قليلة، استجابت أسعار النفط لأوامر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي طالب بتخفيضها فورا في سياق أحدث هجوم له يطال منظمة أوبك، وبعد أيام قليلة من مطالبته السعودية بزيادة إنتاجها بمعدل مليوني برميل نفط يوميا.

فقد سجلت أسعار النفط يوم الخميس تراجعا، فانخفض مزيج برنت في العقود الآجلة بمقدار 56 سنتا أو 0.7% مقارنة بالإغلاق السابق، كما تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي في العقود الآجلة 45 سنتا أو 0.6%.

وجاء هذا الهبوط بعد أن هاجم ترامب منظمة الدول المصدرة للنفط بشدة، وقال عبر حسابه على تويتر "يجب على أوبك المحتكرة أن تتذكر أن أسعار البنزين مرتفعة وأنهم لا يفعلون شيئا يذكر للمساعدة".

"نحن نحميكم"

وكرر ترامب لغة المقايضة التي ذكرها أكثر من مرة، والتي قارن فيها بين توفير بلاده الحماية لكثير من الدول المنتجة للنفط وحاجة واشنطن لانخفاض الأسعار.

وتابع "هم يدفعون الأسعار للارتفاع بينما الولايات المتحدة تدافع عن الكثير من أعضائها (أوبك) مقابل القليل جدا من الدولارات.. هذا يجب أن يكون طريقا في اتجاهين". وختم تغريدته بخط بارز ولغة الأمر متبوعة بعلامة تعجب "خفضوا الأسعار الآن!".

وعلى مدى الأسبوع الأخير، هاجم ترامب منظمة أوبك، وصرح بتدخلات قام بها شخصيا لتغيير معادلات الإنتاج المتفق عليها بين دول المنظمة، ورفضه للأسعار الحالية التي تضر بخططه الداخلية والخارجية.

طلب.. مقايضة.. أوامر

وجاءت تصريحات ترمب كالتالي بحسب موقع الجزيرة نت:

- غرد السبت الماضي بأنه اتصل بملك السعودية سلمان بن عبد العزيز وطالبه بأن ترفع بلاده إنتاجها من النفط بواقع مليوني برميل يوميا لتعويض النقص بسبب الأوضاع في إيران وفنزويلا، وأن سلمان استجاب لطلبه.

لكن البيت الأبيض قال مساء ذلك اليوم إن الملك سلمان أكد أن بلاده ستقوم بتعويض أي نقص محتمل في سوق النفط.

لا يملك ترامب تأثير على أوبك- ولا تأتمر بأمره-ترامب قرع أوبك للمرة الثالثة في إشهر-ويتهمها بالاحتكار ورفع الأسعار (يهمه خفض أسعار البنزين حتى لا يخسر حزبه انتخابات نوفمبر) ويمنن دول أوبك التي تؤمن أمريكا حمايتهم بثمن بخس! (ماذا عن صفقات الأسلحة؟! والقواعد المجانية؟) خفضوا السعر الآن"!

- الأحد الماضي، جدد ترامب -في مقابلة مع قناة فوكس نيوز- دعوته للسعودية لزيادة الإنتاج لمستوى قياسي جديد، وحثها على ضرورة مساعدة بلاده في خفض أسعار الوقود في الوقت الذي تساند فيه واشنطن الرياض في صراعها مع طهران.

وقال ترامب "يجب ألا ننسى أن الجانب السلبي الوحيد في (الانسحاب من) اتفاق إيران هو أننا نخسر الكثير من النفط، وعليهم تعويض ذلك، من هو عدوهم الأكبر؟ إنها إيران، نعم فكروا في الأمر، إيران هي عدوهم الأكبر، ومن ثم سيتعين عليهم القيام بذلك".

وأضاف "لدي علاقة جيدة جدا مع الملك وولي عهد السعودية والمحيطين بهما، وسيتعين عليهم ضخ مزيد من النفط".

- مساء أمس الأربعاء استخدم ترامب لغة وصفت بالأكثر قسوة في انتقاده لأوبك، وطالت تلميحاته الدول التي طالبها بأن تفي بالتزاماتها مقابل حماية الولايات المتحدة لها.

ويفسر مراقبون ضغوط ترامب على السعودية كونها أكبر مصدر للنفط في العالم لزيادة إنتاجها الحالي من 10.3 ملايين برميل يوميا ليصل إلى نحو 12 مليونا، وهو رقم غير مسبوق في التاريخ. ويريد ترامب من رفع معدل الإنتاج تحقيق هدفين:

داخليا: يرغب بأن ينخفض سعر البنزين في بلاده بعد أن تجاوز سعر الجالون مؤخرا ثلاثة دولارات، وهو رقم قياسي كما يقول مراقبون ويسبب مشكلة سياسية لترامب قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إذ يتعارض ذلك مع ما يقوله الجمهوريون من أن تخفيضات الرئيس الضريبية وتخفيفه للقواعد التنظيمية الاتحادية ساهما في تعزيز الاقتصاد.

خارجيا: ممارسة الضغوط على إيران قبيل انطلاق حرب العقوبات الأميركية القاسية عليها الشهر المقبل، والتي ستصل ذروتها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل عندما تطال قطاع النفط الإيراني، حيث تمارس واشنطن حاليا ضغوطا على كبار مستوردي النفط الإيراني للتوقف عن ذلك.

وفي سياق هذه الحرب، يمارس ترامب ضغوطا على الدول المصدرة لتعويض حصة إيران بمنظمة أوبك (2.3 مليون برميل يوميا) وهو ما أعلنت السعودية والإمارات استعدادهما له إذا حصل نقص في الأسواق، لكن ترامب يريد أن يبدأ ذلك بأسرع وقت.

السعودية لا تستطيع

لكن ضغوط ترامب على الرياض وأوبك تواجه تحديات من بينها ما ذكره موقع "بزنس إنسايدر" اليوم حيث استبعد أن تفي السعودية بوعدها لترامب بضخ نحو مليوني برميل نفط يوميا لسد العجز المتوقع نتيجة العقوبات الأميركية على إيران.

الموقع قال أيضا إن السعودية تستطيع ضخ 800 ألف إلى مليون برميل يوميا كأقصى حد، مضيفا أن احتفاء ترامب بوعد الملك سلمان سببه سوء فهمه للتفاصيل.

وشرح "بزنس إنسايدر" قائلا إن السعودية لا يمكنها فنيا ضخ مليوني برميل يوميا، ناهيك عن أنها لو أرادت فلن تستطيع فعل ذلك فورا وستحتاج إلى نحو سنة.

ويحذر مراقبون وسياسيون من أن تؤدي هذه الضغوط والتهديدات لانفراط عقد أوبك التي تنتج دولها 40% من النفط العالمي، وهو ما قد يؤدي لانهيار الأسعار مما سيؤدي لأزمات اقتصادية لا تزال السعودية والدول المصدرة تعيش تحت وطأتها منذ تراجع الأسعار لمستويات قياسية وصلت لـ 27 دولارا عام 2014.

كما يجمع محللون اقتصاديون على أن ضغوط ترامب لتخفيض أسعار النفط تتعارض مع حسابات السعودية التي تحتاج لبقاء الأسعار في مستوياتها الحالية لتمويل مشاريع رؤية 2030، وتجاوز أزماتها الاقتصادية المتفاقمة، وتمويلها حربها في اليمن والتي دخلت عامها الرابع.

ويقرأ محللون متخصصون في لغة ترامب التي تدرجت من الطلب من السعودية ثم انتقلت للمقايضة بين توفير الولايات المتحدة الحماية "لكثير من الدول المنتجة" وضرورة تخفيض الأسعار، وصولا للغة الهجوم وإصدار الأوامر، بأنها ربما تمثل فصلا جديدا يقلد فيه سيد البيت الأبيض نفسه أمينا عاما حقيقيا لمنظمة أوبك. انتهى/خ.

اضف تعليق