رغم إزالة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جميع عقبات الوصول إلى كرسي أبيه، إلا أنّه بأمسّ الحاجة اليوم إلى أي نصر، ولو معنوي، بغية إنجاز الخطوة الأخيرة في الحلول مكان الملك سلمان.

قد يرى كثيرون أن الأمير ابن سلمان يمتلك الكثير من الوقت، لكن الواقع يشي بالعكس، فالأمير الذي بات يفقد شيئاً فشيئاً ما جمعه من رصيد داخلي تحت شعارات "كبيرة"، يخشى أن يؤدي فشله السياسي والعسكري في الملفات الإقليمية إلى الانعكاس سلباً على الوضع الداخلي، لاسيّما مع تعثّر رؤية 2030، وخاصّة أن تحرّكات العائلة الحاكمة لمواجهته بدأت تتصاعد على الرغم من أنها تحت السيطرة حالياً، ومن هم خارج السيطرة موجودون خارج البلاد.

ولكن يبدو أن ابن سلمان لا يعيش أحسن أحواله اليوم، فمع سطوع نجمه منذ تعينه ولياً لولي العهد خلفاً لولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف الذي حلّ مكان الأمير المعزول مقرن بن عبد العزيز، نجح الأمير الشاب في الإمساك تدريجياً بكل مفاصل الحكم السعودي.

ابن سلمان الذي أقدم على خطوات كبرى منذ اليوم الأوّل، بالتنسيق مع ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، بدءاً من العدوان على اليمن ورؤية 2030، مروراً بحصار قطر وعزل بن نايف، وليس انتهاءً بفندق اليتز كارلتون وصفقة القرن الذي يدفع من خلالها الأمير بن سلمان بقوّة بقطار التطبيع الإسرائيلي- السعودي، يعيش أوضاعاً لا يحسد عليها في ظل أفول العدوان على اليمن بعد دخوله عامه الرابع، وكذلك دخول الحصار على قطر عامه الثاني دون أي نتائج تذكر، ناهيك عن تعثر مسار رؤية 2030 بشكل واضح، لتبقى "صفقة القرن" ضالّة ابن سلمان الوحيدة علّه يُنْجحها من خلال تغيير المشهد الإقليمي وتعزيز أوراقه الداخلية والخارجيّة.

الوضع الداخلي

داخلياً، وبعد أيام من كشف الأمير السعودي المنشقّ عن العائلة الحاكمة، خالد بن فرحان آل سعود، واللاجئ في ألمانيا، أن هرولة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لتمرير “صفقة القرن” تهدف إلى إقامة علاقة وطيدة مع "إسرائيل"، وتحقيق جميع مصالحه على مبدأ السمع والطاعة لتسهيل وصوله إلى السلطة، وإشارته إلى أن "هناك غضباً كبيراً داخل العائلة المالكة بسبب تصرّفات ابن سلمان وأن إزاحته من السلطة مسألة وقت لا أكثر"، قالت مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية، إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يسعى إلى تغيير العديد من المظاهر المجتمعية في بلاده، غير أن الكثير من الخبراء يتساءلون فيما إذا كان بإمكانه المضي بقطار الإصلاح الهشّ داخل المجتمع المحافظ، مؤكدين أنه لا يمتلك دعم الشعب وأن وضعه الداخلي ما زال ضعيفاً.

الصحيفة تشير إلى عدّة أخطار تنتظر ابن سلمان فموقفه الداخلي ما زال ضعيفاً، وذلك بمثابة الخطر الذي ينتظره، خاصة أن رد الفعل من قِبل التيار الديني المحافظ ما زال غير ظاهر، فضلاً عن الخطر الذي يمكن أن تشكله الأسرة الحاكمة في السعودية، لكن الخطر الأكبر على مسيرة ابن سلمان، وفق المجلة، هو الاقتصاد، حيث تواجه السعودية وفرة في الشباب الذين لا يمتلكون فرص عمل، رافق ذلك انخفاض أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة؛ ما أضر بميزانية الدولة.

رؤية 2030 والغلاء المعيشي

ما يزيد طين ابن سلمان بلّة هو الغضب السعودي الداخلي اقتصادياً، بخلاف وعود 2030، ليس آخرها تجدّد أزمة ارتفاع فواتير الكهرباء في السعودية، الأمر الذي أشعل موجة غضب لدى المواطنين السعوديين، واعتبرها البعض بداية تدشين سياسة تتّبعها الحكومة لإنهاك المواطن بحجّة الإصلاحات الاقتصادية، إذ صبّ المغردون جام غضبهم على رؤية ولي 2030، التي يرون أنها بدأت من جيب المواطن.

الارتفاع الجديد يأتي بعد ارتفاع سابق في مايو الماضي، عندما سجّلت السعودية حينها ارتفاعاً مهولاً في أسعار الكهرباء بعد رفعها الدعم عنها، الأمر الذي دفع بالمغردين لانتقاد تبذير أموال الشعب السعودي في الداخل والخارج "من دون وجه حق"، لتعلّق الناشطة السعودية هالة الدوسري، الباحثة في معهد "رادكليف" للدراسات التقدمية: ابن سلمان لا يملك دعم الشعب.

زعزعة استقرار الشرق الأوسط

خارجياً لا يختلف الوضع كثيراً، ولعلّ أحد أهداف ابن سلمان من كل خطواته اليوم هو الظهور بهيئة المصلح المجدّد، لكن هذا ما لم ينجح في إظهاره رغم جميع خطوات الانفتاح كقيادة المرأة.

فقد نشرت صحيفة فرنسية بارزة مقالاً انتقدت فيه انتهاكات حقوق الإنسان التي تقوم بها السلطات السعودية، سواء في الداخل أم الخارج، في الوقت الذي تتحدّث عن انفتاح، متسائلة عن: "كل هذا التسامح مع نظام ينتهك حقوق الإنسان، ودوره في المنطقة، وخاصة في اليمن، ألا يطرح إشكالاً حقيقياً؟".

الأستاذ بجامعة ساينس بو، المدير السابق لمنظمة "أطباء بلا حدود"، روني برومان، والموظّف السامي السابق بالخارجية الفرنسية، بيير كونزا، والمتخصّص بالعلوم السياسية في الدول الخليجية، د. نبيل الناصري، طرحوا في مقال نشروه في صحيفة ليبراسيون الفرنسية التساؤل أعلاه ليجيبوا: لِم لا نضع هذه الإصلاحات في حجمها الحقيقي؟ فلئن كان محورها النساء فإن شرطة ابن سلمان زجّت بالعديد من الناشطات السعوديات في السجن، من أمثال عائشة المانع وحصة آل الشيخ، وكلتاهما وجه تاريخي في المكافحة من أجل حقوق المرأة".

وتابعوا القول: "وما قضيّة إيمان النفجان، مؤسِّسة مدوّنة المرأة السعودية المعروفة بمكافحة الوصاية الذكورية، إلا مثال آخر على اضطهاد المرأة السعودية، إذ لا تزال تقبع في مكان سرّي خلف القضبان مع أخريات، وقد شوّهت الصحافة الرسمية سمعتها ووسمتها بالخائنة".

وأضافوا: "أما انتهاك حقوق الإنسان فحدّث ولا حرج؛ إذ إن السعودية تأتي في صدارة منفّذي أحكام الإعدام في عام 2017، وإذا ما قورن عدد الإعدامات بعدد السكان فنسبة الإعدامات بالمملكة حسب عدد السكان 12 ضعف نسبتها في الصين".

أما على المستوى الإقليمي، فإن الرياض – ووفقاً لهؤلاء الكتاب – تؤدّي دوراً رائداً في زعزعة استقرار معظم أجزاء الشرق الأوسط، ففي اليمن مثلاً، تستمرّ المذبحة في صمت، والبلد مهدّد، بعد انتشار وباء الكوليرا، بالمجاعة نتيجة حرب أطلقها ابن سلمان نفسه عندما كان وزيراً للدفاع، عام 2015.انتهى/س

اضف تعليق