بعد الإغلاق المفاجئ للنسخة الفرنسية من موقع "بوز فييد" الإخباري وتسريح كل موظفيه توالت، التساؤلات عن مستقبل الإعلام الرقمي في فرنسا وعموم أوروبا، وما إذا كانت "مجانية" هذا النوع من المحتوى في طريقها للاندثار.

وأكدت المؤسسة الأميركية الحاضنة لموقع "بوز فييد" أن قرارها بني على اعتبارات اقتصادية مردها "الشكوك" التي أضحت تساور إدارة الموقع بشأن نموه في السوق الفرنسية، مؤكدة أن القرار يشمل فقط "بوز فييد" فرنسا وليس باقي فروعها الـ11 المنتشرة في أوروبا والعالم.

ويؤكد المتخصص في شؤون الإعلام بصحيفة "لوموند" الفرنسية، ألكسندر بيكار، أن هذا المبرر ليس مقنعا، حيث إن جمهور ونشاط الموقع في فرنسا مثلا أفضل مما هو عليه بالنسبة للنسخة الألمانية، وهو الأمر الذي أكده موظفو الموقع الفرنسيون الذين اعتبروا أن مبررات القرار "غير مفهومة".

عام ومجاني

يشار إلى أن موقع "بوز فييد" موقع إخباري عام ومجاني يعتمد على إنتاج محتوى يستجيب لطلبات الشركات والمؤسسات وفق الطلب، مما يجعله أعلى تكلفة من المحتوى التقليدي المتضمن للإعلانات الذي لا يروق في العادة لمتصفحي المواقع الإلكترونية.

وبعد سنوات النجاح الأولى تأثر هذا النموذج الاقتصادي بالمشاكل التي أصبحت تعانيها سوق الإشهار، إضافة إلى اشتداد المنافسة بعد ظهور مواقع إخبارية منافسة. فأصبح المعلنون أكثر مطالبة بنتائج ملموسة لاستثماراتهم في المحتوى الذي يوفره الموقع، ورغم أنه محتوى يعزز صورة المعلنين في السوق لكنه لا يوفر نسب مبيعات مباشرة معتبرة.

وقد بررت فعلا إدارة الموقع إغلاق النسخة الفرنسية بضعف المداخيل، لكن عاملا آخر قد يكون ساهم في إقدام المؤسسة على هذا القرار، وهو وجود وحدة التسويق الخاصة به في لندن بدل العاصمة الفرنسية، وهو قرار -يؤكد ألكسندر بيكار- ربما يكون مقصودا باعتبار التكلفة العالية للتوسع والعمل في بلدان عدة في آن واحد.

بالإضافة إلى هذه الاعتبارات، يؤكد بيكار أن تغيير منصة فيسبوك لخوارزمياتها بشكل يدعم المحتوى الشخصي على حساب محتوى الناشرين ساهم أيضا في إقدام المؤسسة على قرار الإغلاق. ورغم أن "بوز فييد" حاولت تصريف محتواها في منصات أخرى مثل بينتيريست وتويتر وإنستغرام وواتساب لكن حجم المنصة الزرقاء أكبر من أن تعوضه منصات أقل حجما وتأثيرا.

المجانية لم تمت

ويرى بيكار أن "مجانية" المحتوى لم تمت لكنها امتياز فقد الكثير خلال السنوات الأخيرة، حيث اضطرت بعض المواقع الإخبارية المعروفة مثل "لوموند" و"لوفيغارو" مثلا إلى اقتراح محتوى مدفوع، وهو ما سبقتها إليه مواقع أميركية مرموقة مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست.

ويرى بيكار أن الجنوح للمحتوى المدفوع رد فعل طبيعي على تراجع مداخيل الإعلانات على المحتوى الرقمي، خاصة مع تصاعد سطوة المنصات الرقمية الكبرى مثل فيسبوك وغوغل وأمازون.

ويؤكد أن هناك مواقع أخرى مثل "بروت" و"كونبيني" و"مينيتبز" ارتأت عدم التخلي عن مبدأ المجانية واستثمار كل مجهودها وتركيزها على منصات التواصل الاجتماعي، لكنها تواجه رهانا أساسيا هو أنه يتوجب عليها أن تقدم محتوى رقميا قويا وتمتلك إستراتيجية تسويق محكمة. وهذا الأمر ليس هينا ويمكن أن يؤثر في استقلاليتها وخطها التحريري إن ارتأت تقديم محتوى إخباري إضافة إلى محتوى الترفيه. انتهى/خ.

اضف تعليق