اعربت وزارة الخزانة الامريكية، اليوم الاربعاء، عن خشيتها من ان العملة في البنك المركزي العراقي قد ينتهي بها المطاف في البنوك الايرانية او ربما يجري ضخها الى تنظيم داعش، وفقاً لمسؤولين امريكيين وعراقيين واشخاص مطلعين على هذه المسألة.

وذكرت صحيفة "وول ستريت" الامريكية في تقرير لها أن "هذه الخطوة الامريكية بشأن توقف الشحنات النقدية، دفعت النظام المالي العراقي بالوصول الى حافة الازمة، لكن واشنطن تراها خطوة جيدة لتفادي تدفق دولاراتها الى اعدائها".

وبينت أن "الوضع بطبيعة الحال يسلط الضوء على أحد الجوانب الهامة لمعركة طويلة الامد من قبل الولايات المتحدة ضد الارهاب، فالمسؤولون الامريكان قلقون بشأن تدفق الاسلحة الواصلة الى الاعداء، ويطاردون ايضاً من تقع بيده الاموال الامريكية للحفاظ على الدولار الذي يمكن للمسلحين المتمردين استخدامه في تمويل انشطتهم".

واشارت الى أن "المسؤولين العراقيين وافقوا هذا الصيف على إقامة قيود على توزيع الدولارات الامريكية من قبل البنك المركزي، اذ ترى واشنطن انه من الافضل ان يحظى البنك المركزي العراقي بإدارة جيدة لضمان تدفق دولاراتهم مرة اخرى بطريقة اكثر امناً، وفقاً لمسؤولين امريكيين وعراقيين".

ورغم هذه الاحتياطات، تتخوف امريكا من احتمالية تدفق الدولارات الى تنظيم داعش واستغلالها لتمويل انشطتهم الارهابية، لاسيما ان هذه الجماعة المتطرفة تسيطر على ثلث اراضي البلاد التي مزقتها الحرب، فجنت من بيع النفط وفرض الضرائب فضلاً عن انشطة اخرى اموالاً طائلة.

 

واكدت الصحيفة أن "وزير المالية هوشيار زيباري يقول إن حكومته اتخذت عدة تدابير منها القضاء على تدفق الاموال غير المشروعة الى تنظيم داعش رغم صعوبة الامر، لأنه من المستحيل الحفاظ على العملة الصعبة في البلاد التي يسيطر عليها الفساد والاقتصاد القائم على النقد".

وتابعت أن "تعود المشكلة الى ايلول الماضي، حيث دعا مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي في وزارة الخزانة الامريكية مسؤولين عراقيين للقائهم في فندق بالعاصمة التركية اسطنبول، وقال الوفد الامريكي لنظيره العراقي، هناك حجم هائل من الدولارات اختفت من العراق ومن غير الواضح حتى الان لم يُكشف كيف اختفت تلك الاموال".

ومنذ ان أسقطت الولايات المتحدة نظام صدام حسين وأسست في عام ٢٠٠٤ البنك المركزي العراقي، اصبح الدولار الامريكي العملة الرئيسية في البلاد لان الاقتصاد العراقي كان يعمل على النقد، اذ يحتاج الى عملة ورقية آنذاك، فكان البنك الاحتياطي الفيدرالي ينقل اموالاً ضخمة جواً الى بغداد وهي ورادات صادرات العراق النفطية.

وفي عام ٢٠١٤ ارتفع الدولار الى حد كبير في العراق، اذ يقول البنك الاحتياطي الفيدرالي الذي يتخذ من نيويورك مقراً له، ان التدفق الامريكي السنوي للعراق في السنة الماضية بلغ ١٣،٦٦مليار دولار، في حين ان هذا المبلغ هو اكبر بثلاثة اضعاف من المبلغ الممنوح للعراق البالغ ٣.٨٥ مليار دولار في عام ٢٠١٢، وفقاً لبيانات جمعها البرلمان العراقي واطلعت عليها صحيفة الوول ستريت جورنال.

هذا الارتفاع الكبير لا يتناغم مع تباطؤ الاقتصاد العراقي الجاري في الفترة الاخيرة، ونتيجة لذلك يشتبه مسؤولون امريكان بان هذه الاموال جرى تعتيماً عليها.

ولفتت الى أنه "كان من الصعب ان نعرف على وجه اليقين اين ذهبت هذه الاموال، ولكن لوقت قريب كشف مسؤولو البنك الاحتياطي الفيدرالي بتقارير شهرية متقطعة ومنها كانت على شكل جداول بيانات بنظام إكسل، بينت انهم بصدد البحث وراء هذه الاموال".

ونوهت الصحيفة الى أنه "في اجتماع اسطنبول، أصر مسؤولون امريكان على تشديد الضوابط وتبادل المعلومات بشأن كيف توزع الدولارات بشكل عادل على الشركات المالية العاملة في العراق، بسحب تصريحات مسؤولين امريكان وعراقيين، وعلى إثر ذلك، بدأ مسؤولو البنك المركزي العراقي بتقاسم المعلومات منذ كانون الثاني الماضي، واعتمدوا نظام توزيع عادل للدولارات في العراق".

من امريكا الى العراق تم نقل فواتير الى البنك المركزي العراقي، حيت يتم بيعها في المزادات اليومية التي تشتريها شركات مالية معروفة باسم "شركات الصيرفة" التي كانت تشتري الدولار بالعملة العراقية، لذلك تركزت المخاوف الامريكية على ما يقرب من ٢٠٠٠ شركة مالية كانت تشتري الدولار بكميات هائلة.

ويقول مسؤول امريكي وشخص آخر مطلع على هذه المسألة، ان العديد من الشركات المالية لديها علاقات مع تنظيم داعش، والمخاوف الامريكية تركزت بشأن ان هذه الشركات المالية تُستخدم من قبل مجهولين كقنوات لتمويل التنظيم بالدولارات، لاسيما ان الولايات المتحدة تفقد السيطرة على هذه الاموال بعدما تخرج منها، وعلى هذا النحو منع مجلس الاحتياطي الاتحادي إرسال النقود الى العراق.

ويسعى المجلس الاحتياطي الاتحادي، استيعاب حاجة البلدان الاخرى في الحصول على ودائع الدولار وكسبها عبر القوانين المشروعة، وقالت المتحدثة باسم بنك الاحتياطي الفدرالي " هناك عدد من البنوك المركزية في جميع انحاء العالم بما فيها البنك المركزي العراقي، من حق البنك الاحتياطي الامريكي سحب العملة من البنك المركزي العراقي".

ويعمل البنك المركزي بشكل وثيق مع وزارة الخزانة لضمان عدم التعامل مع تجار المخدرات والارهابيين الاجانب وشركات مفروضة عليها عقوبات دولية.

ومع تدهور الوضع الامني في البلاد زاد البنك الاحتياطي من رصده ورقابته على شحنات العملة الواصلة الى العراق، بدليل انه علّق شحنات العملة لفترة من هذا العام، لانه كان ينسق مع البنك المركزي العراقي على بضعة ضوابط.

وكان بعض المسؤولين العراقيين لديهم مخاوف مشابهة للمخاوف الامريكية في ذلك الوقت، اذ قالوا، ان الكسب غير المشروع الممتد لسنوات زاد من تعقيد المسألة، متسائلين بالوقت نفسه، لماذا الامريكان اهتموا بالموضوع مؤخراً، فأجاب المسؤولون الامريكان عبر صحيفة الوول ستريت جورنال، بان تطورات الاوضاع في البلاد على مدى السنوات الماضية القليلة اعطيت مزيداً من الاهتمام بسبب ازدياد الطلب على الدولار.

وقالت الصحيفة خلال تقريرها إنه "خلال حزيران الماضي، افاد مسؤولون عراقيون يعملون على تعزيز اتفاق تبادل المعلومات مع نظائرهم الامريكان، بان ثلاثة بنوك اسلامية ايرانية مفروضة عليها عقوبات من ضمنها بنك بارزيان الذي قد حصل على ما لا يقل عن ملايين الدولارات عن طريق المزاد العلني".

واشارت الى أن "هذه البنوك كانت تعمل في ظل العقوبات الدولية المفروضة على ايران، وان البنك الاحتياطي كان يجرم تدفق الاموال الصعبة اليهم، فكيف وصلت لهم"، مضيفة أن "المسؤولين الامريكان يرون، ان تنظيم داعش قد تمكن من الوصول الى تلك الدولارات عن طريق المزادات، ويعتقد مسؤولون عراقيون ايضاً، ان الاموال ذهبت لتنظيم داعش خلال هذه المزادات، ويضيف المسؤولون، في شمال كركوك حيث يسيطر الاكراد على شركات الصيرفة، وهي الاكثر نشاطاً ربما سمحوا للدولار بالوصول الى الاراضي الخاضعة لسيطرة مسلحي داعش عن طريق عملاء لهم".

في عام ٢٠١٤ سرق مسلحو التنظيم نحو ١٠٠ مليون دولار من البنك المركزي العراقي الذي كان موجوداً في قبو بالموصل، وفقاً لشخص مطلع على السرقة.

واستناداً الى هذه المعلومات الجديدة، ارسل مسؤولون امريكان طلب خطي في حزيران الماضي للمسؤولين العراقيين، بان البنوك الايرانية يجب ان تُقطع عليها الاموال ان يعمل المسؤولون العراقيون بشكل منفصل عن سلطة ايران، لان المجلس الاحتياطي الاتحادي لن يوافق مجدداً على طلبات العراق النقدية حتى يتحسن هذا الوضع.

البنك المركزي رفض الطلب الامريكي، وتأثر سعر الصرف وتقلب اكثر من المعتاد، بينما لم يرد محافظ البنك المركزي على طلبات الامريكان.

في حزيران ايضاً، توجه دانيال جلاسر، مساعد وزير الخارجية الامريكي لشؤون الارهاب والعامل ايضاً بمكتب الاستخبارات المالية مع عدد من المسؤولين الامريكان الى بغداد لمناقشة الحلول الممكنة.

في الاجتماع الذي عُقد بإحدى غرف السفارة الامريكية، وافق المسؤولون العراقيون الذين كان من بينهم محافظ البنك المركزي علي العلاق على تسليم زرمة من البيانات لمسؤولي بنك الاحتياطي الفدرالي، كما وافق على ان يتعاقد العراق مع شركتي إرسنت ويونغ لمراقبة عمل المزادات.

في ٦ آب الماضي، قال البنك المركزي العراقي ان امواله الصعبة بدأت بالنفاد من الدولارات، ليسارع البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك بإرسال ما يقرب من ٥٠٠ مليون دولار لتلافي الإشكال.

ويقول جلاسر بحسب الصحيفة "من منظور مكافحة الارهاب، فانه ليس من مصلحتنا ان تكون هناك ازمة اقتصادية مستمرة في العراق ولاسيما بنقص الدولارات".

لم يتم حل المشكلة بشكل كامل، ففي ٢ من تشرين الثاني الحالي عقدت وزارة الخزانة الامريكية اجتماعاً سرياً، ركزت فيه على عمل شركات الصيرفة العاملة في العراق، اذ يعتقد مسؤولو الوزارة الامريكية، ان تلك الشركات لها صلات بتنظيم داعش، وفقاً لأشخاص مطلعين على الاجتماع.

وقال هؤلاء الناس المطلعون على الاجتماع، ان الوفد الامريكي حينما زار العراق نصح نظرائه بعدم العمل مع مالكين لشركة صيرفة ما في البلاد رغم صلاتهما السياسية، وناقش الامريكان سبل إقناع المسؤولين العراقيين بإنهاء علاقاتهم مع هذين الشخصين.

اضف تعليق