صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية العدد السادس والعشرون من سلسلة "أوراق" بعنوان "سيناريوهات المستقبل العربي: ثلاثة سيناريوهات لعام 2025"، تحرير فلورانس جوب وألكساندرا لابان، وترجمة سُها إسماعيل.

يُعد هذا التقرير نتاج سلسلة من الاجتماعات لمجموعة التنبؤ العربية، وبمبادرة من معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية (EUISS) لجمع خبراء من أوروبا والعالم العربي لتطوير سيناريوهات حول مستقبل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

تم نشر هذا التقرير لأول مرة باللغة الإنجليزية من قِبَل معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية (EUISS) في عام 2015.

يأتي هذا التقرير انطلاقا من أهمية الدراسات المستقبلية التي تسعى إلى الحدّ من عنصر المفاجأة، وتُقرِّب العديد من الفرص المستقبلية الممكنة وصولاً إلى السيناريوهات محتملة الحدوث أو المفضلة لتعطي خيارات وبدائل لصُنَّاع القرار لتشكيل المستقبل بطريقة محددة.

ومع ذلك، لا تدَّعِي الدراسات المستقبلية دقة التنبؤ بسيناريو معين؛ وإنما هناك سيناريوهات ممكنة ومحتملة تتحدد في أربعة أنواع: السيناريوهات الممكنة التي قد تكون خياليّة؛ وبالتالي غير محدودة نظرًا لعدم ارتباطها بعلم أو بمعرفة (السفر عبر الزمن على سبيل المثال)، والسيناريوهات المعقولة التي تعتمد على المعلومة والمعرفة الحالية بدلاً من التخمين والمضاربة، والسيناريوهات المرجحة لأنها جزء من نتائج اتجاهات وأحداث جارية تمتد بشكل خطّي خلال الوقت الحاضر، والسيناريوهات المُفضَّلة التي يمكن أن تتداخل وتتلاقى مع الأنواع الثلاثة السابقة، فهي تقوم على أحكام قيمية وليس مجرد معلومات، ومن ثمَّ على التوقعات المعيارية والاستفادة المثلى من احتمال وقوع هذه التطورات. وتقوم السيناريوهات المستقبلية بشكلٍ كبيرٍ على الخيارات والتفكير الإبداعي في بلورة خيارات مختلفة.

وبناءً على هذه الخيارات، تم افتراض ثلاثة سيناريوهات محتملة لسنة 2025، واعتبرت من قبل مجموعة الخبراء محتملة ومعقولة. تتناول السيناريوهات الثلاثة استقراءً للوضع في عام 2015، والتحديات التي يواجهها العالم العربي منذ عام 2011، فالاضطرابات التي باغتت العالم ذاك العام وبدأت في النطاق المحلي قد طورت تداعيات إقليمية معقدة؛ حيث انتقل التركيز المحلي من الاقتصاد إلى الأمن الذي ينهار بسرعة في جميع أنحاء المنطقة. انتقلت السياسة الداخلية إذن من الإصلاح إلى الأجندة الأمنية، وتجاهلت حقيقة أن القضايا الاقتصادية كانت أحد العوامل الدافعة إلى الانتفاضات عام 2011.

وتواجه المنطقة تحديات اقتصادية جمّة: ففي عام 2012، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد عربيَّا 7,981 دولارًا، أي أقل من المتوسط العالمي البالغ 11,975 دولارًا. وبالإضافة إلى ذلك، قد أدَّت أحداث 2011 إلى رفع التوقعات والتطلعات بين السكان بحيث يصعب على الحكومات تحقيقها. وحتى الاقتصادات الريعية تعاني بسبب انعدام الأمن؛ حيث انخفض إنتاج النفط عامي 2013 و2014 في سوريا والعراق وليبيا واليمن. وفي الوقت نفسه، يُتوقع انكماش سوق النفط العالمي بفضل زيادة في إنتاج النفط غير التقليدي في الولايات المتحدة وضعف الطلب العالمي.

وقد حدد التقرير مجموعة من "التوجهات الكبرى"، وهي الاتجاهات الرئيسية التي من غير المرجح أن تتغير أو تتحرك باتجاه عكسي في إطار زمني معين، وهي تحدد مساحة الإمكانية في المستقبل. الاتجاه الأول هو النمو، حيث يستمر سكان العالم العربي في النمو، فيزيد العدد من 357 مليون نسمة في عام 2015 إلى 468 مليون في عام 2025. ويتزامن ذلك مع اتجاه آخر، ألا وهو التحضر. في عام 2015، كان أكثر من 56٪ من المواطنين العرب يقيمون في المدن، ويُتوّقع أن تصل النسبة إلى 61.4٪ بحلول عام 2020. ومن المتوقع أن تستقر هذه النسبة ثم تتصاعد، وهو ما يتماشى مع أنماط الحياة في بقية دول العالم.

يتطرق التقرير أيضًا إلى تهديدات تغير المناخ في العالم العربي، والتي تم تحديدها في ثلاث: ظاهرة الاحتباس الحراري والتصحر، وندرة الموارد، وارتفاع مستويات البحر. في عام 2007، توقعت الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) زيادة في درجة حرارة تصل إلى 2 درجة مئوية في عام 2025 لمنطقة جنوب المتوسط. والمتوقع أن يسهم هذا في زيادة الجفاف، وانخفاض نسبة الرطوبة في التربة، وزيادة معدلات التبخر؛ بمعنى النتح والتحولات في أنماط سقوط الأمطار الموسمية. وتُعدُّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واحدة من أفقر مناطق العالم من حيث المياه، وبالتالي فهي أكثر عرضة للخطر. وعلى الرغم من استثمار دول مجلس التعاون الخليجي في تحلية المياه كمحاولة للتخفيف من نقص المياه، فإنه يقع نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتجددة في البلدان العربية تحت خط الفقر المائي.

وعلى صعيد أكثر إيجابية، يُتوقع ارتفاع معدلات محو الأمية في المنطقة على مدى العقد القادم، حيث ارتفعت من 55٪ عام 1990 إلى 77٪ عام 2011، و90٪ بين جيل الشباب. ومع ذلك ونتيجة للنمو السكاني، انخفض العدد الفعلي للأميين البالغين من 52 مليونًا إلى 48 مليونًا. وفي بعض البلدان لا يزال محو الأمية بين الإناث البالغات منخفضًا نسبيًّا مقارنةً بالمتوسط العالمي.

ويتخلف العالم العربي عن بقية دول العالم من حيث انتشار الإنترنت؛ حيث 25٪ فقط من السكان متصلون بشبكة الإنترنت- على الرغم من وجود تباينات كبيرة في المنطقة. ومن المتوقع أن ترتفع نسبة مستخدمي الإنترنت إلى 50٪ بحلول عام 2025. وقد شهد عام 2012- 2013 تغييرات كبيرة في أنماط استخدام الإنترنت في المنطقة العربية؛ وينشط حوالي 53 مليون مستخدم عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أصل 125 مليون مستخدم للإنترنت. ومن المأمول أن تؤدي زيادة مستخدمي شبكة الإنترنت إلى تعزيز تطوير مجتمعات المعرفة العربية. ومن المتوقع أيضًا حدوث تقدم على صعيد المساواة بين الجنسين، بالرغم من استمرار وجود تحديات جوهرية في المنطقة بشكلٍ عام. وقد تحقق بعض التقدم الملحوظ في السنوات القليلة الماضية؛ فقد طرحت الجزائر والأردن والمغرب وتونس حصصًا برلمانية للنساء في القوانين الانتخابية الوطنية. كما يزداد تدريجيًّا عدد النساء اللواتي ينخرطن في الاقتصاد والسياسة.

وختامًا، يحدد التقرير ثلاثة سيناريوهات متناقضة للعالم العربي في عام 2025 تُوضح مآل الحالات النهائية الثلاث الممكنة. وتأخذ هذه السيناريوهات بعين الاعتبار التوجهات الرئيسية التي من غير المرجح أن تتغير، وتُطور ثلاث طرق مختلفة يستطيع صانعو السياسات من خلالها اتخاذ ردّ فعل مناسب وإدارة الأزمات التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط في عام 2015. يتمثل السيناريو الأول في "التهدئة العربية"؛ حيث تتجه الدول العربية إلى الإصلاح، ولكن ليس بما يتطلبه تغيير الوضع. ويتناول السيناريو الثاني "الانفجار الداخلي العربي" وفشل الدول العربية في معالجة القضايا الساخنة. أما السيناريو الثالث؛ "القفزة العربية"، فهو سيناريو الإصلاح المستدام. انتهى /خ.

اضف تعليق