نشرت صحيفة "هافنغتون بوست عربي"، اليوم السبت، تقريراً سلط الأوضاع على مدينة العوامية السعودية، المحاصرة منذ ما يقارب ثلاثة اشهر من قبل القوات الحكومية، بعد تسريبات حصلت عليها في ظل منع التغطية الإعلامية على المدينة، وفيما لفتت الى صعوبة الأوضاع الإنسانية فيها، أشارت الى بقاء الجثث في شوارع المدينة لعدة أيام.

وقالت الصحيفة، أنه "عندما وصل ترامب إلى السعودية بَذَلَ المسؤولون جهداً هائلاً لترويج فكرة وحدة العالم المُسلم، وأشار النقاد آنذاك إلى أن التحالف المُساهم في بؤس اليمن بقيادة السعودية قد قضى بالفعل على فكرة العالم المُسلم، وفق تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية".

وأضافت: "وبالنظر لما هو أقرب من اليمن، كانت الحكومة السعودية قد بدأت لتوّها آنذاك حرباً على بلدةٍ في شرق المملكة المتململ - وهي معركة مازالت دائرةً حتى الآن رغم تلقيها قدراً ضئيلاً من التغطية الإعلامية سواء داخل المملكة المحافظة أو خارجها".

وطُوِّقت بلدة العوامية المعروفة بسُكَّانها الشيعة - وهي بلدة موجودة منذ 400 عام في محافظة القطيف شرقي المملكة ويقطن بها 30 ألف شخصٍ تقريباً - بحواجزٍ وضعتها أجهزة الأمن منذ أدّت محاولاتٍ لإخلاء بعض السكان لنشوب عنفٍ في العاشر من مايو/أيار الماضي.

ويُفيد السكَّان المحليون، بحسب الصحيفة، بأنَّ 25 شخصاً على الأقل قد قُتِلوا جرَّاء القصف أو برصاص القناصة، وتبدو صورٍ لشوارع العوامية المتناثرة بالأنقاض والطافحة بمياه المجاري أقرب لمشهدٍ من سوريا وليس من مدينة خليجية ثرية بالنفط.

ويفيد تقرير إعلامي لـ bbc بأن مئات من السكان يفرّون حالياً من بلدة العوامية بعد أسابيع من الاشتباكات بين بعض المسلحين وقوات الأمن.

ولا يُسمح لوسائل الإعلام الأجنبية بالاقتراب من المنطقة دون مرافقين حكوميين. ما يعني أنَّ العالم يعتمد في هذا الأمر على وسائل الإعلام الحكومية السعودية الخاضعة لرقابة شديدة، والشبكات الاجتماعية في الحصول على أية لمحة عمَّا يحدث هناك.

وقال ناشطٌ في مقابلة نادرة أجرتها معه وسائل إعلام غربية: "كنت متظاهراً سلمياً، كذلك كان معظمنا في العوامية، حتى قرَّرت الحكومة تصنيفنا كإرهابيين مطلوبين. كُل ما فعلناه هو المطالبة بالإصلاح، فاستهدفوا المدينة بأكملها".

وأضاف الناشط أنَّ قواتٍ حكومية داهمت منزله في بداية الحصار، وتعدوا على زوجته بالضرب، وصوَّبوا أسلحتهم نحو ابنته البالغة من العمر 5 أعوام، وأمسكوا بابنته الأخرى ذات الأشهر الثمانية ورفعوها عالياً ثم هدَّدوا بإلقائها على الأرض".

ووصف الأمر قائلاً: "قالوا لفتاتي الصغيرة: سنقتل أباكِ ونُلقي برأسه في حجرك".

وأضاف: "لم يُترَك لنا خيارٌ آخر. وَجَبَ علينا الدفاع عن حيواتنا وحياة نسائنا. دُمِّرَت المنازل تحت القصف، وإطلاق النار الكثيف، وقذائف الآر بي جي، أصبح الكل هدفاً".

أُغلِقت الطُرق المؤدية للعوامية بالمتاريسٍ منذ 3 أشهر بعد أن رفضت سُكَّانها الانصياع لقوات الأمن التي جلبت جراراتٍ ومعدّات بناءٍ لتنفيذ أوامرٍ بهدم المنطقة القديمة.

وشهدت تلك المنطقة اضطراباتٍ دورية منذ علت الأصوات، تزامناً مع الربيع العربي، المناهضة للتفرقة العنصرية تجاه أقلية المواطنين الشيعة في البلاد عام 2011.

متظاهرون أم إرهابيون؟

 

من جانبها، تزعم الرياض أنَّ المتظاهرين المُسلَّحين في العوامية هُم إرهابيون عازمون على زعزعة استقرار البلاد بأكملها، ويجب منعهم من استغلال المباني المهجورة في البلدة والشوارع الضيقّة والملتوية بها كمخابئ.

وقال آدم كوغل، وهو باحثٌ بشؤون الشرق الأوسط في منظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان: "لقد وثَّقت نزاعاتٍ دارت في السعودية من قبل لكنَّ لم يشبه أياً منها ما يحدث في العوامية. رأيت مظاهراتٍ من قبل، لكن لم يكن أياً منها مسلَّحاً".

يخشى العديد من سُكَّان العوامية الآن القصف والقناصة لدرجة أنهم لا يغادرون منازلهم، رغم أنَّ إمدادات المياه والكهرباء الأساسية قد قُطِعت في عدّة مناطق، ما تركهم بلا مياه جارية أو تكييفٍ للهواء في قيظ صيف السعودية.

وقال ناشطٌ من المدينة أصلاً ويقيم بالولايات المتحدة: "الناس خائفون لدرجة أنَّ الجُثث ظلَّت متناثرةً في الشوارع لأيام".

وتفيد عدة تقارير بأنَّه يَصعُب على عربات الإسعاف ومركبات الصرف الصحي الوصول للبلدة؛ إذ يجري تعطيلها في نقاط التفتيش، ما يسهم في تفاقم ظروف المدينة غير القابلة للمعيشة.

ويوم الجمعة الماضي، 28 يوليو/حزيران، أرسلت السلطات السعودية لسُكَّان العوامية مجدداً إشعارات بإخلاء البلدة، آمرةً إيّاهم بالرحيل من خلال طريقَين مُحدَّدَين والتلويح بملابس بيضاء في أثناء ذلك.

ويتهم النشطاء السلطات السعودية بإطلاق النار بشكلٍ عشوائي على المدنيين، ومنازلهم، وسياراتهم.

وقال الناشط المقيم بالولايات المتحدة إنَّ مئاتٍ من الأشخاص قد فرّوا من العوامية - ويُقدَّرون في بعض الإحصائيات بـ90% من السُكَّان المحليين، وبقى بالبلدة 3000 إلى 5000 شخص.

وفي أيار الماضي، أدانت منظمة الأمم المتحدة خطط إعادة التطوير المذكورة، متهمة السلطات بمحاولة إخلاء السكان قسراً من العوامية دون تقديم خياراتٍ ملائمة لإعادة تسكينهم في المقابل، ضمن عملية تهدِّد "بإحداث ضرر دائم بالتراث التاريخي والثقافي للبلدة".

ومع ذلك، يظل العالم الخارجي على غير علمٍ بالاضطرابات التي تستنزف شرق السعودية حالياً. انتهى /خ.

 

اضف تعليق