بيّن سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في توجيهاته القيّمة لوفد من (مؤسسة الوميض للتنمية والتطوير من محافظة البصرة) الذين زاروا سماحته دام ظله في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، يوم الاثنين12رجب الأصبّ1438للهجرة ـ 10/4/2017م، ان البصرة لها تاريخ عريق وعظيم، والألوف في تاريخ البصرة قد ضحّوا تضحيات كبيرة، منذ مئات السنوات حتى اليوم. وهذه البصرة اليوم بأيديكم، وبحاجة إلى تضحيات أيضاً.

وقال سماحته: لا يولد العظماء وهم عظماء، بل يولدون كسائر الناس، رجالاً ونساء. ولكن هم الذين يصنعون العظمة لأنفسهم. وصنع العظمة بحاجة إلى كلمة، سواء للرجل والمرأة، ورجل الدين ورجل الأعمال، وصاحب مؤسسة سياسية أو ثقافية أو اجتماعية، أو اقتصادية وغيرها، وهذه الكلمة هي: لا للبحث عن الراحة. فمن يلتزم بهذه الكلمة سيكون نصيبه التوفيق. وبديهية هذا الأمر كمسائل الرياضيات، أي انّ إثنين في اثنين يساوي أربعة، ولا يساوي ثلاثة أو خمسة. فاقرأوا تاريخ العظماء لتعرفوا ذلك، أي العظماء من المؤمنين والمؤمنات وغيرهم. علماً انّ المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم أجمعين في محلّهم الرفيع، والمقصود من هم دونهم.

وأوضح سماحته: أنقل لكم باختصار قصّة من التاريخ، وأنتم ابحثوا عنها أيضاً. في زمن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وبالحجاز، كان رجلاً نصرانياً من رهبان النصارى، ومات على النصرانية، واسمه سُن سُن. وكان عنده أولاد، اسم أحدهم أعْيَن. ومعنى أعين بالعربية هو من يتميّز أو متميّز في عينه. وهذا أعين انتقل من النصرانية إلى الإسلام، وصار مسلماً، ولكنه منحرفاً عن أهل البيت صلوات الله عليهم. وهذا حدث في زمن الإمامين الحسنين صلوات الله عليهما. وتوفي أعين على ذلك. وكان لأعين عشرة أبناء وبنت واحدة، وكانوا في زمن الإمامين السجّاد والباقر صلوات الله عليهما. وهؤلاء كانوا تبعاً لأبيهم، كلّهم منحرفون عن أهل البيت صلوات الله عليهم. وكانت بنت أعين تسمّى بأمّ الأُسود (بضمّ الألف والسين)، وكانت في زمن الإمام السجّاد صلوات الله عليه الذي كانت ظروفه من أعنف الظروف ضد أهل البيت صلوات الله عليهم وشيعتهم.

وأضاف سماحته: فلو تلاحظون زمن الإمام السجاد صلوات الله عليه وفي تاريخه صلوات الله عليه، ترون أنّ الإمام ما كان عنده خطاباً إلاّ في الشام فقط. وهذا ما يدلّ على عنف تلك الفترة. ففي تلك الظروف الحالكة والعنيفة جدّاً ضد الشيعة، حدثت واقعة الحرّة، التي قتلوا فيهاكثيراً وأفسدوا كثيراً. ولكن كان الإمام السجّاد صلوات الله عليه يشتري العبيد والإماء، ويعيّشهم معه، ويعلّمهم التقوى والإيمان والأخلاق، وبعدها يعتقهم لينتشروا في البلدان. وكان هذا نوع من أنواع التبليغ، حيث لم تك الظروف للإمام زين العابدين صلوات الله عليه مساعدة على عمل شيء إلاّ هذا العمل، أي شراء العبيد والإماء وتعليمهم وتربيتهم ثم عتقهم ونشرهم مبلّغين في البلدان.

وأردف سماحته: في تلك الظروف الحالكة، تشيّعت أمّ الأُسود، بسبب بعض المرتبطين بالإمام السجّاد صلوات الله عليه. وصارت هذه البنت سبباً لتشيّع ثمانية من إخوتها. وصار هؤلاء قمم في أصحاب الإمامين السجاد والباقر صلوات الله عليهما، وبعضهم بقي إلى زمن الإمام الصادق صلوات الله عليه، وصاروا من خيرة أصحاب الأئمة صلوات الله عليهم، ومنهم صاروا من الجيّدين حتى في زمن باقي الأئمة من بعد الإمام الصادق صلوات الله عليهم أجمعين.

وشدّد سماحته بقوله، مخاطباً الضيوف الكرام: هذه أمّ الأسود لم تنل هذا التوفيق بالراحة. وهذا من ديدن العظيم والعظماء. فالعظيم يبحث عما يمكنه أن يعمله، ويقدّمه، سواء كان صعباً أو سهلاً، وفي برد وحرّ، وجوع وعطش، وفقر ونقص ومرض، وغيره. والبصرة قدّمت الكثير من التضحيات بالأرواح أيام البعثيين، وقبلهم أيام الحكّام السابقين. وكذلك قدّمت تضحيات بالأموال والشخصيات والعلماء والتجّار. واليوم المسؤولية عليكم، أنتم رجالاً ونساء. فالبصرة بحاجة إلى عظماء، وحاولوا أن تكونوا أنتم. وإن لم تفعلوا فسيأتي غيركم ويقوم بذلك، وحينها تكون الحسرة عندكم.

وبيّن سماحته: أذكر في الخمسينيات والستينيات، أنه نقلوا بأن مجالس العزاء الحسيني في البصرة في شهري محرّم وصفر، كانت أكثر من مجالس العزاء الحسيني في العراق كلّه، بما فيها النجف وكربلاء والكاظمية وبغداد. فمن الممكن أن تصعدون أنتم بتاريخكم وحظّكم اليوم.

وأكّد دام ظله: أهم شيء فيما يجدر أن تهتموا إليه في أعمالكم هم الشباب، بنين وبنات، في المدارس والجامعات وبالوظائف والدوائر وغيرها. فعليكم بتربيتهم. بلى إنّ تربية الشباب صعبة وصعبة، جدّاً وجدّاً. أما صنع إنسان وتوجيه إنسان فهو مهمّ جدّاً. وتحمّلوا السلبيات والمشاكل، حتى تعملون أكثر وأحسن.

وذكر سماحته مثالاً راقياً على تحمّل المشاكل، وقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله هو أشرف الأولين والآخرين. وكان يعطي من قوته، وهذا ما ذكرته كتب الأحاديث والتاريخ. فعندما كان صلى الله عليه وآله في المدينة المنوّرة، أي عندما كان رئيساً للحكومة، كانت تجبى إليه الأموال، وتخرج من يديه الشريفتين. وفي هذه الفترة جاء صلى الله عليه وآله ذات يوم عند فاطمة صلوات الله عليها، فقدّمت له طعاماً، فقال لها صلى الله عليه وآله وهو أصدق الناس: منذ ثلاث لم يدخل جوف أبيك شيء. وكما هو معلوم انّ ثلاث تختلف عن ثلاثة، فثلاث يعني ثلاثة أيام وثلاث ليالي. إي أنّه صلى الله عليه وآله في إثنين وسبعين ساعة لم يأكل شيئاً حتى نصف تمرة، وهو حينها رئيس حكومة. والقرآن الكريم يقول لنا: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) سورة الأحزاب: الآية21.

وختم سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، توجيهاته القيّمة، قائلاً: أي واحد منكم، وأيّة واحدة منكنّ، يترك وتترك الراحة، يوفّق وتوفّق أكثر، وهذا بحاجة إلى عزم. فأنت رجل البصرة، وأنت امرأة البصرة، يمكنكما أن تنهضا بالبصرة لمستقبل أفضل وأحسن، في كل الجوانب.

وقال أحد الضيوف الكرام لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله: سيّدنا! إنّ مؤسستنا أسّسناها بأموالنا نحن جميعاً العاملين فيها وبتبرّعاتنا، ووفّقنا الله وله الحمد. وهي من مؤسسات أو منظّمات المجتمع المدني الأهلية، ولنا إنجازات عظيمة، وعمل خيري، ومساعدات وإعانات لعوائل الحشد الشعبي، ودعم لوجيستي لجبهات الدفاع عن العراق، وكذلك للأيتام. وبعض زملاء المؤسسة ممن هم الآن معنا في زيارتكم وبمحضركم، قدّموا ابناءهم وإخوانهم شهداء ضمن الحشد الشعبي، دفاعاً عن العراق ومقدّساته وأهله.

فقال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: هنيئاً للشهداء، وتعزية لأهلهم ولكم. ودعا سماحته الحضور إلى قراءة سورة الفاتحة المباركة على أرواح الشهداء.

وبدوره قال مدير مؤسسة الوميض: سيدنا! نحن مسرورن بلقائكم حفظكم الله. ونسأله تعالى لكم طول العمر والعافية.

جدير بالذكر، أن الوفد الزائر التقى بنجل سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، حجّة الإسلام والمسلمين السيد حسين الشيرازي، أيضاً، واستمعوا إلى كلمته القيّمة.

اضف تعليق