يبدو ان بحث السعودية الدائم عن "الحرس الثوري الايراني" في اليمن فتح الباب امام الولايات المتحدة الامريكية لتبحث، هي الاخرى، عن "الجيش الاحمر الروسي"... لكن هذه المرة في سوريا.

اذ تصاعدت في الآونة الاخيرة حملة اعلامية امريكية واسعة النطاق، مفادها  وجود تعزيزات عسكرية روسية ضخمة، على الاراضي السورية، شملت الخبراء والمعدات العسكرية المتطورة، وتزامن هذه الامر، مع تحركات اوربية، (فرنسية بريطانية)، نحو زيادة المشاركة في الطلعات الجوية فوق الاراضي السورية، ربما استعدادا لضرب اهداف تابعة لتنظيم داعش، او اهداف عسكرية اخرى قد تشمل النظام السوري.

يشار الى ان العلاقات السورية الروسية هي علاقات تاريخية، امتدت على مدى قرون، واسس لها الرئيس السوري السابق "حافظ الاسد"، فيما أخذت هذه العلاقة الاستراتيجية بالنمو في عهد الرئيس الابن بشار (الاسد).

في عام 2006 وأصبحت روسيا مورد السلاح الأساسي لسوريا، كما وافق الرئيس السوري بشار الأسد عام 2008 على اتفاقية لبناء قاعدة عسكرية بحرية روسية دائمة مجدداً في طرطوس، وقد كشف مسؤولون في البحرية الروسية في شهر شباط سنة 2012 عن وجود نوايا روسية بإعادة بناء ميناء طرطوس وتطويره ليَتمكن من إيواء سفن حربية ضخمة، إذ ستكون لمثل هذه القاعدة البحرية أهمية كبيرة لروسيا إذا أرادت تعزيز تواجدها في شرقي البحر الأبيض المتوسط.

وقد قال جنرالات روس أنه يُمكن أن تكون القاعدة مركزاً للطرَّادات ذات الصواريخ الموجَّهة مستقبلاً أو حتى لحاملات الطائرات، وأفادوا بأنَّ المرحلة الأولى من بناء القاعدة ستكتمل في عام 2012 نفسه.

في 7 يناير من سنة 2012 رست حاملة الطائرات الروسية "أدميرال كوزنيتسوف" مع مدمرة وفرقاطة في ميناء طرطوس، وأثارَ ذلك بعض الضجَّة الإعلامية نظراً إلى تزامنه مع الازمة التي تعيشها البلاد، غير أن روسيا صرَّحت بأن لا نوايا لها بإرهاب الشعب السوري، وأن الهدف من الزيارة هو تعزيز العلاقات مع سوريا "قيادة وشعباً".

وقد وصلت المزيد من السفن الروسية إلى الميناء لاحقاً في شهر نيسان من العام نفسه، وبشكل عام من المُعتاد أن يَبقى أسطول روسيٌّ يَتألف من 50 سفينة في البحر المتوسط في الظروف العادية، ولا تُوجد أي قاعدة عسكرية يُمكن أن يلجأ لها هذا الأسطول في المنطقة عدى ميناء طرطوس.

ومع بداية الحملة الاعلامية شددت موسكو على أن توريدها معدات عسكرية إلى سوريا يتطابق بالكامل مع القانون الدولي، وأنها قد تدرس تقديم مساعدة إضافية لسوريا في مكافحة الإرهاب.

وقالت ماريا زاخاروفا الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية الأربعاء (9 سبتمبر/ايلول) "لم نخف أبدا علاقاتنا العسكرية الفنية مع سوريا. ونحن نزود سوريا منذ زمن بعيد بالأسلحة والمعدات الحربية, ونحن نقوم بذلك بمراعاة العقود الموقعة وبما بتطابق بالكامل مع القانون الدولي".

وأكدت زاخاروف وجود خبراء عسكريين روس في سوريا، وكشفت أن مهمتهم تتمثل في تدريب العسكريين السوريين على استخدام المعدات الروسية الجديدة.

وأردفت:"إذا ظهرت هناك حاجة في اتخاذ إجراءات إضافية من جانبنا من أجل تكثيف مكافحة الإرهاب، فنحن سندرس هذه المسائل بلا شك، وسنعتمد في ذلك حصريا على القانون الدولي والقوانين الروسية".

وأكدت زاخاروفا أن الأسلحة التي يسلمها الجانب الروسي للجيش السوري مخصصة لمواجهة الخطر الإرهابي.

وتابعت الدبلوماسية الروسية قائلة إن موسكو تنطلق من أن التنسيق مع القوات المسلحة السورية يجب أن يمثل جزءا مهما من توحيد الجهود التي تبذل في سياق مكافحة الإرهاب، وذلك في إطار مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخاصة بتشكيل تحالف واسع لمواجهة الخطر الإرهابي.

من جهته نفى وزير الإعلام السوري عمران الزعبي الإشاعات حول وجود قوات روسية في سوريا، متهما مخابرات غربية ببث مثل هذه الإشاعات.

بدوره أوضح مبعوث الرئيس الروسي الى الشرق الأوسط وبلدان أفريقيا ميخائيل بوغدانوف أن سبب تواجد الخبراء العسكريين الروس في سوريا يعود الى ضرورة تدريب العسكريين السوريين على استخدام المعدات الروسية التي يتم توريدها وفق عقود موقعة في إطار التعاون العسكري التقني بين البلدين.

وقال بوغدانوف الثلاثاء (8 سبتمر/ايلول): "يجري تنفيذ عقودنا مع سوريا، ويجري توريد مختلف أنواع المعدات التي تحتاج الى صيانة، ويحتاج شركاؤنا من ممثلي القوات المسلحة السورية الى المساعدة والمشورة والتدريب على استخدام هذه المعدات، وهو ما يعني إرسال خبرائنا العسكريين مع شحنات المعدات العسكرية لتدريب شركائنا السوريين".

وكانت وزارة الدفاع الروسية قد نفت قطعا مزاعم تناقلتها وسائل إعلام عبرية عن مشاركة مقاتلات روسية في العمليات العسكرية بسوريا.

على الرغم من ذلك، جددت واشنطن الثلاثاء 8( سبتمبر/أيلول) قلقها من تلك المزاعم والإشاعات.

وقال جوش إرنست الناطق باسم البيت الأبيض: "لقد أكدنا أكثر من مرة إننا نقلق من أنباء تحدثت عن إمكانية نشر عسكريين روس إضافيين وطيران في سوريا، وذلك لأنه من الصعب عليها تفهم نواياهم (الروس)".

في سياق ذي صلة, أعلنت وزارة الخارجية البلغارية أن صوفيا رفضت فتح مجالها الجوي أمام طائرات روسية حملت مساعدات إنسانية إلى سوريا.

وأوضحت الوزارة أن الحكومة البلغارية رفضت طلبا قدمه الجانب الروسي خلال عطلة الأسبوع الفائت، بشأن فتح ممر جوي لطائرات نقل عسكري روسية، وذلك بسبب "شكوك قوية في تطابق طبيعة الشحنات على متن الطائرات مع ما أعلنته موسكو بهذا الشأن".

ونقلت وكالة "تاس" عن الناطقة باسم وزارة الخارجية البلغارية بيتينا جوتيفا الثلاثاء 8( سبتمبر/أيلول) أن الوزارة اتخذت هذا القرار بصورة مستقلة (في إشارة إلى تقارير إعلامية تحدثت عن ضغوطات أمريكية على بلغاريا في هذا الشأن).

من جانب آخر، قال متحدث باسم وزارة الخارجية اليونانية إن موسكو أبلغت أثينا أنها لم تعد بحاجة إلى ممر جوي عبر المجال الجوي اليوناني، بل ستستخدم مسارا آخر يمر شرقي الأراضي  اليونانية.

وكانت أثينا قد أكدت رسميا الاثنين تلقي طلب أمريكي بإغلاق المجال الجوي للبلاد أمام الطائرات الروسية المتجهة إلى سوريا، مضيفة أن هذا الطلب قيد الدراسة.

يذكر أن مصدرا دبلوماسيا يونانيا كان قد كشف أن أثينا رفضت إغلاق مجالها الجوي بوجه الطائرات الروسية التي تحمل مساعدات إنسانية إلى سوريا، بناء على طلب سفارة واشنطن بأثينا.

وقال المصدر لوكالة " نوفوستي" يوم السبت (5سبتمر/ايلول) :" تقدمت السفارة الأمريكية بطلب إلى الحكومة اليونانية، بحظر عبور الطائرات الروسية الأجواء اليونانية. لكن الحكومة اليونانية رفضت القيام بذلك، كي لا تتفاقم العلاقات مع روسيا".

ووفقا للمصدر، فإن موسكو حصلت على إذن من أثينا للتحليق فوق المجال الجوي اليوناني لنقل المساعدات الإنسانية إلى سوريا في الفترة من (1 – 24  سبتمبر/أيلول).

هذا وسبق لروسيا أن واجهت مشاكل عندما كانت ترسل مساعداتها الإنسانية إلى سوريا عبر المجال الجوي التركي.

وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2012 احتجزت السلطات التركية طائرة سورية قادمة من موسكو، وصادرت من متنها شحنة من الأجهزة الالكترونية، أرسلتها شركة روسية لزبونها في سوريا.

ووصفت موسكو هذه الخطوة التركية بأنها غير شرعية, وذكرت أن الأجهزة التي صودرت من متن الطائرة كانت مخصصة لاستخدامها في محطات رادار، مؤكدة أنه لا توجد أية اتفاقية دولية تحظر توريدات مثل هذه الأجهزة.

من جانبه اتهم رجب طيب أردوغان الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس الوزراء التركي، موسكو بتوريد الذخائر لدمشق، دون أن يقدم أية أدلة تثبت صحة الاتهام.

وتأتي الضغوط الأمريكية في سياق حملة دعائية تشنها واشنطن تتهم فيها موسكو بزيادة مساعداتها العسكرية لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد.

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية  قد كررت في بيانها الذي صدر يوم السبت الماضي، مزاعم إعلامية نشرت الأسبوع الماضي، إذ نقلت وسائل إعلام إسرائيلية وعربية عن "مصادر" زعمها أن مقاتلات روسية تشارك في العمليات العسكرية بسوريا.

ولكن وزارة الدفاع الروسية نفت هذه المزاعم بشكل قاطع.

على الرغم من ذلك، ذكرت واشنطن أن وزير الخارجية الأمريكي كيري بحث خلال مكالمته مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، التي جاءت بمبادرة من واشنطن، "القلق الأمريكي من التقارير التي أشارت إلى حشد  عسكري روسي مباشر وموسع في سوريا".

وحذر كيري، حسب بيان لوزارة الخارجية الأمريكية، من أن مثل هذه الخطوات، في حال كانت التقارير الإعلامية صحيحة، ستؤدي إلى المزيد من تصعيد الأزمة، وإلى سقوط ضحايا أبرياء جدد، بالإضافة إلى زيادة تدفق اللاجئين وتنامي خطر نشوب مواجهة مع التحالف المعادي لـ"داعش" في سوريا، حسب اعتقاد الوزير كيري.

أما وزارة الخارجية الروسية فذكرت، تعليقا على المزاعم التي تكررها واشنطن، أن لافروف أكد لكيري خلال المكالمة أن بلاده لم تخف أبدا تزويدها دمشق بمعدات عسكرية لدعم الأخيرة في مكافحة الإرهاب.

ومن اللافت أن صحيفة "نيويورك تايمز" تحدثت في الوقت نفسه عن إرسال "فرقة عسكرية روسية متقدمة" لدعم الجيش السوري، بالإضافة إلى "خطوات روسية أخرى"، تخشى واشنطن من أنها تدل على وجود خطط روسيا لتوسيع الدعم العسكري لحكومة بشار الأسد بقدر كبير، حسب مزاعم الصحيفة الأمريكية.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد قال في مؤتمر صحفي عقده يوم الجمعة الماضي (4سبتمر/ايلول) في مدينة فلاديفوستوك بالشرق الاقصى الروسي: "إننا نقدم لسوريا دعما كبيرا، بما في ذلك توريدات المعدات والأسلحة وتدريب العسكريين السوريين".

وأعاد بوتين إلى الأذهان العقود الموقعة بين موسكو ودمشق في المجال العسكري، مضيفا أنه يجري تنفيذها حاليا. وتابع: "إننا ندرس مختلف الإمكانيات في هذا السياق"، مشيرا إلى أن روسيا ستجري مشاورات مع سوريا والدول الأخرى في المنطقة حول زيادة الدعم لها في مكافحة الإرهاب.

وفي الوقت نفسه أكد الرئيس الروسي أنه من السابق لأوانه الحديث عن مشاركة بلاده في عمليات التحالف الدولي المناهض للإرهاب لاستهداف مواقع تنظيم "داعش" في سوريا.

ويأتي التوتر الأخير بين روسيا- والولايات المتحدة حول سوريا مفاجئا لدرجة كبيرة، بعد بروز بوادر إيجابية اعتبر كثيرون أنها تدل على تقارب مواقف البلدين، فيما بعد مشاورات مكثفة حول الملف السوري أجرتها موسكو الشهر الماضي مع واشنطن والرياض ومختلف أطياف المعارضة السورية.

لكن وزارة الخارجية الروسية نفت قطعا مزاعم نشرتها وسائل إعلام عن تعديل موسكو لموقفها من الأزمة السورية ومستقبل الرئيس بشار الأسد.

ووصفت ماريا زاخاروفا الناطقة باسم الوزارة في تصريحات صحفية الاثنين (7 سبتمبر/أيلول)، التقارير الإعلامية التي تحدثت عن توصل موسكو إلى اتفاق مع واشنطن والرياض حول الإطاحة بالأسد، بأنها أوهام ومعلومات مزورة.

وشددت قائلة: "إننا لا ننخرط في أية هندسة اجتماعية، ولا نعين رؤساء في دول أجنبية، ولا نقيل أحدا منها في إطار تأمر مع طرف ما". وأكدت أن ذلك "يخص سوريا والدول الأخرى في المنطقة، التي تستطيع شعوبها تقرير مصيرها بنفسها".

وعلى متن طائرة الرئاسة الامريكية ,قال البيت الابيض يوم الاربعاء (9سبتمر/ايلول) إنه يشعر "بقلق بالغ" إزاء تقارير بأن روسيا ربما نشرت أفرادا وطائرات عسكرية في سوريا وانه يراقب الوضع عن كثب.

وقال المتحدث باسم البيت الابيض ايريك شولتز للصحفيين "موقفنا هو اننا سنرحب بالمساهمات الروسية البناءة في التصدي لمحاولات الدولة الاسلامية لكننا كنا واضحين في انه سيكون عملا غير معقول من جانب أي طرف بمن فيهم الروس تقديم أي دعم لنظام الاسد."

وقال شولتز ان البيت الابيض بدأ مراجعة عدة خيارات للمساعدة في مواجهة تدفق السوريين الفارين من بلدهم الذي تمزقه الحرب مشيرا إلى أن الرئيس باراك أوباما يعتقد ان الولايات المتحدة عليها مسؤولية أخلاقية في المساعدة في مواجهة أزمة اللاجئين.

بدروه نفى وزير الإعلام السوري عمران الزعبي الإشاعات حول وجود عسكري روسي في سوريا، متهما مخابرات غربية ببث مثل هذه الإشاعات.

وأكد الزعبي في حديث مع قناة "المنار" اللبنانية بثته الاثنين (7 سبتمبر/أيلول) إنه "ليس هناك شيء على الإطلاق مما يُشاع خلال الأيام الماضية، ليست هناك قوات روسية، وليس هناك عمل روسي عسكري على الأرض السورية، لا براً ولا بحراً ولا جواً". 

واعتبر الوزير السوري هذه الأنباء "فكرة مبتكرة في دوائر المخابرات الغربية، وبعض المخابرات العربية، تريد الإيحاء وإعطاء الانطباع أن روسيا تتدخل مباشرة من أجل الضغط على سوريا، وبأن الدولة السورية ضعفت إلى حد الاستعانة بالأصدقاء بشكل مباشر".  

وأضاف أن هناك غرضا ثالثا، وهو مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى بمزيد من الدعم التسليحي النوعي للمجموعات الإرهابية المسلحة التي قيل انها تحت عنوان "المعارضة المعتدلة".

وأكد أن العلاقات السورية الروسية، بما فيها بالسياق العسكري، هي علاقات مديدة، وكل ما يأتي إلى سوريا من المؤسسة العسكرية الروسية هو نتيجة اتفاقات سابقة ثابتة وليست جديدة.

على صع متصل قالت صحيفة كومرسانت الروسية, اليوم الخميس (10 سبتمر/ايلول) إن روسيا تمد الجيش السوري بعتاد يشمل أسلحة صغيرة وقاذفات قنابل وناقلات جنود مدرعة من طراز بي.تي.آر-82ايه وشاحنات كاماز العسكرية.

وتقول روسيا إن مساعدتها العسكرية لدمشق تهدف إلى مساندتها في محاربة الإرهاب لكن الغرب يشتبه بأن موسكو تعزز وجودها العسكري على الأرض في سوريا لدعم الرئيس السوري بشار الأسد وهو حليف قديم لها.

ولم يصدر رد فوري عن شركة روسوبورون اكسبورت الحكومية لتصدير الأسلحة.

وذكرت الصحيفة أن تقريرها يستند إلى معلومات من مصادر لم تذكرها بالاسم في قطاع الصادرات الدفاعية.

ونقلت عن المصادر قولها إن سوريا كانت قد دفعت لموسكو أقساطا مسبقة لشراء أنظمة دفاع جوي متطورة من طراز اس-300. وأضافت أن موسكو قررت فيما بعد عدم تسليم الأنظمة الصاروخية لسوريا في الوقت الحالي وأن تقدم لها أسلحة أخرى بدلا من ذلك.

ولا تزال سوريا مسرحا لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى, بينما اهلها المتضرر الوحيد من كل هذا الصراع والذين اصبحوا لاجئين على حواف الامواج يبحثون عن وطن يخلو من رائحة البارود, ومستقبل لا تتكلم فيه لغة السلاح ويعلو صوت المعارك.

المصادر: RT, رويترز, تاس, نوفوستي.

اضف تعليق