ليست الحروب فقط هي المهمة، بل أن معالجة تبعاتها ومخلفاتها هي الاهم، وحربنا ضد داعش حرب مريرة، ولكن أخفاقنا في حل تداعياتها يعد أكثر خطورة وتكلفة مالية واقتصادية، ولها تأثيراتها الاجتماعية الوخيمة.

هناك بعض الحقائق التي نتمنى ان نتجاهلها، أو نغمض أعيننا فلا نراها، إلا إنها تبقى حقائق حاضرة ومؤثرة في حسابات مرحلة ما بعد داعش، هذه الحسابات ينبغي ألا يتم تداولها من خلال تنظيرات إعلامية أو مزايدات مزايدات سياسية، بل من خلال تشريعات قانونية ملزمة للحكومة ولجميع الاطراف.. حيث تضع هذه تشريعات النقاط على الحروف منذ البداية، ولا تدع المجال للتلاعب.

أهم تشريعين ينبغي العمل على تشريعهما منذ الآن:

القانون الأول: (قانون إعمار المناطق المحررة):

حيث أن إعادة اعمار المناطق المحررة سيكلف ثروة طائلة، ولابد من قانون ينظم ويدير هذه الثروة، وهذا القانون يتناول ثلاث محاور اساسية:

المحور الاول/ مصادر الاموال: هناك ثلاث مصادر محتملة للأموال التي ستساهم بإعادة أعمار المناطق المحررة..

- خزينة الدولة : نظراً لفقر خزينة الدولة في المنظور القريب والمتوسط، لذا لا يمكن أعتبارها المصدر الاساسي، ولكن مع ذلك تبقى الخزينة هي مساهم لا يستهان به، وهذه المساهمة قد تُشعر إبن الوسط والجنوب على المدى المتوسط بالغبن والظلم، فهو الذي ساهم بدمه لتحرير الاراضي التي باعها اشخاص غيره، ثم يساهم بأمواله في بناء مدن جديدة بينما لا تزال محافظاته ترزح تحت نير الخراب، وإن الاخفاق في مراعاة هذا الجانب سيخلق أو سيزيد الحساسية الاجتماعية بين أبناء مناطق العراق المختلفة، وبالتالي ينبغي أن تحدد النسب التي ستساهم بها كل محافظة من المحافظات في تمويل المحافظات المحررة، حسب معايير محددة..

- القروض الدولية: نظراً لفقر خزينة الدولة – بل خاوية على عروشها – في هذه المرحلة، ستلجأ الحكومة المركزية الى الاقتراض من مؤسسات دولية، حيث ينبغي أرجاع هذه القروض مع فوائدها، وهنا يأتي دور (قانون إعمار المناطق المحررة) في تنظيم النسب (القروض والفوائد) التي تتحملها كل محافظة من محافظات العراق حسب معايير محددة، فمن المنطقي أن المحافظات المستفيدة من عمليات الاعمار تتحمل نسبة أكبر من القروض والفوائد المترتبة عليها.

- المساعدات الدولية: إن العديد من الدول الإقليمية ستجد في (إعادة الاعمار) فرصتها الذهبية للتغلغل في الواقع العراقي السياسي من خلال تمويل عمليات بناء المدن المحررة، ولهذا التمويل ثمن! ولذا فإن (قانون إعمار المناطق المحررة) سيقوم بإنشاء صندوق لجمع تبرعات عمليات الاعمار.. وسيحدد السُبل وآليات الكفيلة بذلك.

المحور الثاني/ تنظيم صرف الاموال:

التحديات التي تواجهنا تحمل بين طياتها فرص، وما حصل من تدمير البنية التحتية في المحافظات المحررة، قد يُعتبر فرصة لتنشيط الاقتصاد الوطني، وإنشاء صناعة مستدامة من خلال تشريع فقرات في (قانون إعمار المناطق المحررة)، تُلزم الشركات التي المساهمة بعمليات الاعمار، بان تكون المواد الاولية هي من صناعة وطنية حصراً أو بنسب معينة، وهذا من شأنه أن يقلل من عملية الاستيراد وتشجيع بناء الاقتصاد وصناعة وطنية..

المحور الثالث/ تنظيم عمليات الاعمار، وهو يأتي مكملاً لمحوري (تنظيم مصادر الاموال) و (تنظيم صرف الاموال)، حيث سيهتم هذا المحور بوضع آليات المزايدات ، وحصر الجهات المسؤولة ، ووضع المعايير بالنسبة للشركات المساهمة في عمليات الاعمار، ووضح حلول استباقية لحالات الفساد المحتملة..

القانون الثاني: قانون محاكمة العراقيين المتورطين مع داعش:

بخلاصة شديدة، تكمن حساسية هذا الموضوع و أهمية هذا القانون في إن اغلب العراقيين الذين ستتم محاكمتهم بسبب تورطهم وتواطئهم مع داعش، هم من أبناء:

- طائفة معينة.

- مناطق محددة.

وهذه الحقيقة المؤلمة، ولكن لا يمكن إغفالها، وستولد ردود افعال مناهضة، ضد هذه المحكمات، ويمكننا التنبوء بأن هذه المحكمات سيتم وصفها بالطائفية وأنها تستهدف مكون معين؛ بالضبط مثلما تم استهداف قانون (المسائلة والعدالة)، حيث أن هذه الحملة التي سيشنها الاعلام الداعشي، ستؤدي إلى هروب المئات من المتواطئين مع داعش، وهو ما سيشكل خطراً مستقبلياً يهدد الامن والاستقرار المجتمعي..

لذا نوصي بتشريع قانون (مساءلة العراقيين المتواطئين مع داعش)

والذي ينبغي أن يُراعى فيه ما يأتي:

1- أن تتم صياغته بمعونة ومشورة قانونية أممية، لكي نتجنب أي حالات طعن في موضوعيته او حياديته..

2- إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة المتواطئين مع داعش، فإمام هذه المحكمة الالاف من القضايا والتهم، بالاضافة إلى الضغط النفسي والاخلاقي الذي سيقع تحت وطأته القضاة، وهذا ما يستلزم أن تكون محكمة خاصة..

3- تدريب القضاة في محاكم دولية، وتوفير مستشارين دوليين اجانب للمتابعة والاشراف على سير المحكمات، لتجنب حالات الطعن، وتوفير الحصانة لهذه المحاكمات ضد الاعلام الداعشي..

وتبقى مرحلة ما بعد داعش تحمل بين طياتها مخاطر جمة، يتحمل المشرع العراقي مسؤولية التنبوء بها، واستباقها ومحاولة معالجتها من خلال حزمة من التشريعات التي ربما من أهمها هي: (قانون أعمار المناطق المحررة) و (قانون مساءلة العراقيين المتواطئين مع داعش).

..........................

* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي وكالة النبأ للأخبار

اضف تعليق