بقرة لها فضل على الانسانية اسمها بلوسوم استخلص منها لقاح الجدري عام 1796 على يد الطبيب الانكليزي ادوارد چينر ويعد من اعظم الانجازات في عام المناعة على الاطلاق وانقذ ارواح كثيرة .

الجدري ذلك المرض الذي الاكثر فتكاً في العالم ، بقي جاثماً على صدر البشرية ويحصد بالارواح ، فقد حصد في القرن 20 اكثر من 300 مليون نفس واحتمالية الموت منه 30% واعلى عند الاطفال، وحتى في حالة نجاة الشخص يبقى اثره شاهداً على ضراوته.

كان الطاعون اسرع منه بالفتك ولكن ضرباته وزياراته متباعدة ، اما الجدري فهو موجود بين الناس ويفتك بهم دائماً ، يملأ البيوت والطرقات والاماكن بالجثث، ويقذف الرعب في قلوب الناس، الذين لم يصيبهم بعد، يحول الاطفال الى مسوخ ترتعب وترتجف منهم امهاتهم من بشاعة منظرهم ، والبنات الى كابوس بسبب تشويه المنظر.

اسم المرض بالانكليزي smallpox مشتق من البثور pocks ( الطفح الجلدي ) او الدمامل، التي ينشرها هذا المرض على الوجه والجسم وبعدها الندب الغائرة pockmarks بعد رحيله عن المصاب.

لم يصل البشر الى علاج للمرض او حتى مقاومته ولكنهم عرفوا ان المصاب الذي نفذ منه لايرجع له مجدداً ،فاخترعوا نوع من التطعيم يعرف حاليا باسم variolation على اسم الفايروس variola أو inoculation وهي مجازفة بحد ذاتها حيث يحقن المريض بمادة من شخص مصاب على امل ان يصاب السليم باعراض مخففة من المرض وبذلك يحصنه من المرض.

في القرن 18 هناك طبيب انكليزي في ارياف انكلترا اسمه ادوارد چينر كان تلميذ على يد اعظم الاطباء آنذاك جون هانتر والذي يعتبر ابو الجراحة الحديثة والذي حولها من جزارة الى علم قائم بذاته .

في القرية التي يعمل بها جينر في مقاطعة كلوسسترشر ، قضى هذا الطبيب يتأمل ظاهرة غريبة وهي نضارة جلود الحلاّبات ( النساء التي تحلب الابقار ) والشئ الآخر حصانتهم من مرض الجدري ، وبعد دراسة مستفيضة ، ولمسة عبقرية منه شك في شئ وهو ان هناك رابطاً مابين اصابة هؤلاء الحلّابات بجدري البقر cowpox وبين مناعتهم ضد الجدري.

جدري البقر مختلف عن الجدري لكونه اضعف منه ويغادر دون ترك آثار تذكر او تلف لاعضاء الجسم، فاستنتج ان الاصابة بجدري البقر الضعيف ، تؤهل وتدرب الجهاز المناعي على التعرف على الجدري ومكافحته حينما يدخل الجسم، وقرر اختبار افكاره.

في عام 1796 اصيبت احدى الحلّابات واسمها سارة نيلمز بجدري البقر من بقرة اسمها ( بلوسوم ) كانت تملكها ، فقام جينر باستخلاص القيح من بثراتها وحقن بها ولد صغير في الثامنة من عمره يدعى جيمز فيبس ، ابن فلاح حديقة منزله، وبعدما اصيب جيمز بجدري البقر ، جاء وقت الاجراء الاخطر في العملية وهو حقن هذا الطفل بالجدري العادي، وبالفعل حقنه به ونجحت العملية والتجربة بشكل لايصدّق حيث لم يصب الطفل بالجدري الفتاك .

وكانت تلك اللحظة فارقة في حياة البشرية وبداية نهاية هذا المرض اللعين،ومن تلك اللحظة انطلقت الجهود العالمية لاستئصاله شيئاً فشيئاً ، ومعها حملات الوقاية القومية والعالمية على مدار القرنين اللاحقين، حتى اعلان منظمة الصحة العالمية القضاء التام والكامل عليه في النصف الثاني من القرن العشرين،وهو احد مرضين تم القضاء عليها والآخر هو طاعون البقر rinderpest الذي كان هو الاخر كابوس يهدد الناس.

من الاشتقاقات لكلمة vaccine مشتقة من اللاتيني vacca بمعنى بقرة بسبب هذه الحادثة.

اضف تعليق