قالت مضاوي الرشيد، الأستاذة الزائرة في معهد الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، في مقال نشره موقع "ميدل إيست آي" إنه في يوم الأحد الماضي، بثت شبكة "سي بي إس" فقرة مثيرة عن السعودية في برنامج "60 دقيقة".

خلال البث، تحدث سعد الجبري، وهو مسؤول مخابرات كبير سابق مقيم حاليًا في كندا ومستشار لوزير الداخلية المعزول محمد بن نايف، عن مكائد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، محذرًا المجتمع الدولي من الخطر الذي يشكله من وصفه بـ"قاتل مختل عقليًّا في الشرق الأوسط بموارد لا حصر لها".

وتنقل الكاتبة ما ذكره الجبري في تلك الفقرة حول تهديد محمد بن سلمان في عام 2014 بقتل عمه العاهل السعودي، الملك عبد الله، (الذي توفي عام 2015)، بخاتم مسموم جلبه من روسيا من أجل إخلاء العرش لوالده الملك سلمان.

كما قال الجبري أيضًا إن ابن سلمان أرسل فرقة اغتيالات تعرف باسم "فرقة النمر" إلى كندا، حيث يعيش في المنفى، لاغتياله بعد أسابيع فقط من مقتل الصحافي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، في أكتوبر (تشرين الأول) 2018. كان خاشقجي – كاتب العمود في "واشنطن بوست" و"ميدل إيست آي" – قد استُدرج إلى القنصلية السعودية في إسطنبول، حيث قُتل بوحشية.

تستدرك الكاتبة قائلة إنه بعد فشل ابن سلمان في اغتيال الجبري، احتجز اثنين من أبنائه في الرياض، ولا يزالان في السجن.

محبط وخائف

 

سترى الكاتبة أن هذه القصة ستستمر بعد أن نقل كلا الخصمين معركتهما إلى المحاكم الأمريكية. فقد اتهم ابن سلمان الجبري بسرقة مليارات الدولارات عندما كان ابن نايف مسؤولًا عن أموال ضخمة جرى تخصيصها لمحاربة الإرهاب. بالإضافة إلى اتهامه ابن سلمان بالرغبة في قتله في المنفى، يقول الجبري أيضًا إن لديه تسجيلات فيديو لتهديدات ولي العهد للملك عبد الله. وتلفت الكاتبة إلى ما بدا عليه الجبري، المليونير المختبئ، خلال البرنامج؛ إذ بدا محبطًا وخائفًا على حياته ومستقبل أبنائه المحتجزين.

قد تكون تفاصيل هذه القصة مثيرة للاهتمام، لكنها شائعة إلى حد ما في الديكتاتوريات؛ إذ يتلاقى الخيال والواقع، ويختلط الغدر والألفة، بحسب الكاتبة. ومع ذلك، فإن توقيت الكشف هو مفتاح الفهم، فمستقبل المملكة على المحك، مع استعداد ابن سلمان، الذي يتقدم والده في السن، للجلوس على العرش.

يبدو أن الجبري اختار المنفى في كندا بدلًا من الولايات المتحدة، حيث يواصل أصدقاؤه في وكالة المخابرات المركزية الدفاع عنه علنًا؛ إذ إن المخبأ الكندي يبعد الإدارة الأمريكية عن المؤامرات السعودية. وهذا من شأنه أن يمنح الجبري الفرصة لتحدي أسياده السابقين في الرياض.

أو ربما يكون ظهور الجبري في برنامج "60 دقيقة" علامة على أن الولايات المتحدة وأجهزة استخباراتها تنوي لعب دور غير مباشر في تحطيم حلم ابن سلمان بالجلوس على العرش. تظل السعودية، من حيث الجغرافيا السياسية ومواردها، ذات أهمية حيوية للمجتمع العالمي ولا يمكن للولايات المتحدة أن تظل مكتوفة الأيدي.

دوافع أمريكية

 

تعتقد الرشيد أنه ربما جرى بث ما كشف عنه الجبري بسبب رغبة الولايات المتحدة في رؤية أمير بديل مسؤول عن السعودية – شخص لم يشوه سمعة بلاده، أو اغتال الصحافيين في الخارج، ودفع مئات السعوديين إلى المنفى واحتجز الآلاف في الوطن. وعلى صعيد آخر، ففي الأسابيع الأخيرة، ارتفعت أسعار النفط بشكل حاد وجرى إلقاء اللوم جزئيًّا على السعودية في أزمة الطاقة العالمية الحالية.

لا بد أن مزاعم الجبري مقلقة للأمير الشاب في الرياض، بحسب ما ترى الرشيد. فبعد عدة سنوات من المحاولة الجادة لمحو ذكرى مقتل خاشقجي، يواجه ابن سلمان الآن تحديًا علنيًّا بواسطة شخص مطلع يعرف جيدًا طريقة عمل الدولة السعودية العميقة.

كما أن الجبري على دراية بالعلاقات الوثيقة التي أقامتها السعودية مع وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) وأجهزة المخابرات الأخرى. وفي حالة تورط "سي آي إيه" في مزاعم مستقبلية، فإن ما كشف عنه الجبري سيكون مصدر إحراج ليس فقط للرياض ولكن لواشنطن أيضًا، بحسب الكاتبة.

وترى الرشيد احتمالية استعداد الجبري لتقديم أدلة في المحكمة ضد ابن سلمان في محاولة لتحرير أبنائه وتطهير سمعته. يريد ابن سلمان عودة الجابري إلى الرياض – تمامًا كما أراد عودة خاشقجي إلى البلاد، خشية أن يكشف المزيد من التفاصيل حول كيفية تخطيط القيادة السعودية للقتل وإعدام معارضيها والتآمر على دول أخرى.

خلال الفترة التي قضاها في وزارة الداخلية بالمملكة، تقول الكاتبة، إن الجبري تورط تورطًا وثيقًا في أنشطة مكافحة الإرهاب، وكان من المفهوم أن له علاقات مقربة مع أجهزة المخابرات الأمريكية تحت قيادة ابن نايف.

إسكات المعارضة السعودية

كان ابن نايف مسؤولًا عن الأمن خلال الانتفاضات العربية في عام 2011 – تقول الرشيد – عندما كسر السعوديون صمتهم ونظموا مظاهرات في جميع أنحاء البلاد للمطالبة بالعدالة. اعتُقل مئات الناشطين السلميين، مثل سليمان الرشودي، ومحمد صالح البجادي، ومحمد القحطاني، ووليد أبو الخير، على سبيل المثال لا الحصر، بذريعة مكافحة الإرهاب.

عند التأمل في القضية، ترى الرشيد أنه من الممكن النظر إلى مقابلة الجبري في برنامج "60 دقيقة" على أنها تنفيس عن الغضب والإحباط من إزاحته من منصب سياسي مرموق، إلى جانب إحساسه بالذنب بشأن ترك ابنه وابنته البريئين، المحتجزين الآن رهائن في الرياض.

لذلك، وبينما من السهل التعاطف مع محنة الأب الذي أخطأ في تقدير وحشية ولي العهد الحالي، فإن العديد من المعارضين السعوديين يعتبرون الجبري ليس بريئًا تمامًا. ففي نهاية المطاف، لقد كان عضوًا في نظام يستمر في حكم البلاد مع الإفلات التام من العقاب.

المصدر: ساسة بوست

اضف تعليق