خيّمت حالة من الهدوء على المباحثات السعودية الإيرانية التي استضافتها بغداد في الشهور الأخيرة لحكم الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، رغم أن الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي قال إنه يمد يده للجيران.

واستضافت العاصمة العراقية، منذ مارس من هذا العام، مفاوضات مباشرة بين مسؤولين سعوديين وآخرين إيرانيين، وكانت حرب اليمن والملف النووي الإيراني على رأس الأمور التي ناقشتها هذه الاجتماعات.

وبعد أسابيع من التكتم أعلن البلدان أنهما يسعيان من خلال هذه المحادثات إلى تخفيف حدة التوترات في المنطقة وإيجاد مساحة مشتركة لتحقيق مصالح البلدين.

لكن منذ إعلان فوز إبراهيم رئيسي بالانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو الماضي، تراجعت أحاديث هذه المفاوضات إلى حد بعيد، بيد أن وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، أكد (السبت 28 أغسطس) أن اللقاءات مستمرة وأن لدى الطرفين رغبة في التوصل إلى نتائج.

وجاءت تصريحات حسين بعد يوم من تصريحات أدلى بها مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عبد الله المعلمي، قال فيها إنه يأمل أن تكون خطابات الجانب الإيراني واقعية، وإن الرياض تنتظر أفعالاً لا مجرد أقوال.

وأكد المعلمي، في تصريحات لقناة "العربية"، أن المملكة "لن تكتفي بالخطاب الشفهي من إيران"، وأنها تنتظر منها اتخاذ خطوات تخفف التوتر في المنطقة.

هدوء وترقب

وتأتي هذه التصريحات بعد أسابيع من الترقب السعودي للسلوك الإيراني في ظل وصول الرئيس المحسوب على المحافظين إلى الحكم، كما أنها تتزامن مع تعثر مفاوضات فيينا الرامية لإحياء اتفاق 2015 النووي، الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 2018.

وأقحمت الولايات المتحدة برنامج إيران الصاروخي في مفاوضات النووي الإيراني كما أنها تصر على إدراج سلوك طهران ودعمها للمليشيات المسلحة على طاولة التفاوض، وهو ما ترفضه طهران.

الرئيس الإيراني الجديد، كان قد أكد فور وصوله إلى الحكم أنه يمد يده للجيران، لكنه أكد أيضاً أن قوة بلاده تعزز استقرار المنطقة.

كما أنه أكد في أول خطاب رسمي له بعد تنصيبه أن بلاده ستواصل دعمها لمن سمّاهم "المظلومين" في سوريا واليمن، في إشارة ضمنية إلى بشار الأسد والحوثيين في اليمن.

وعلى الرغم من تشدد التيار الذي يمثله رئيسي داخل إيران فإن الظروف العامة بالمنطقة، والمحاولات المتواصلة من الولايات المتحدة و"إسرائيل" والغرب لتضييق الخناق على إيران واتهامها بتهديد أمن الملاحة في مياه الخليج، قد يدفعان الرجل إلى تهدئة إن لم تكن التسوية ممكنة.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أكد، أواخر أبريل الماضي، أن المملكة ترغب بعلاقات قوية ومثمرة للطرفين مع إيران، وقال إن الرياض لا تريد لطهران أن تكون ضعيفة.

وتزامن حديث ولي العهد السعودي مع جهود عراقية وعمانية حثيثة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، كما أنه تزامن مع محاولات قطرية وكويتية لفتح باب الحوار الجديد أمام دول الخليج وإيران لبحث تفكيك مخاوف الطرفين.

حديث مقلق لرئيسي

لكن هذه الأحاديث السعودية، التي لقيت ترحيباً إيرانياً، لا تنفي حقيقة أن عدم الاستقرار كان دائماً عنواناً للعلاقات بين الخصمين الإقليميين كما يصفهما أهل السياسة؛ خاصة أنهما يتعارضان تماماً فيما يتعلق بحل أزمة اليمن.

وقد فسر كثيرون حديث رئيسي عن مواصلة دعم المظلومين بأنه إشارة إلى استمرار تدخل طهران في دول الجوار عبر دعم المليشيات والمضي قدماً في سياسية "تصدير الثورة"، التي هي لب الخلاف مع منطقة الخليج وخصوصاً السعودية.

غير أن ظروفاً طرأت خلال السنوات القليلة الماضية في المنطقة قد تدفع الطرفين باتجاه التوصل لتسوية تخدم مصالحهما حتى لو من خلال هدنة يمكن لكل طرف من خلالها أن يعمل على معالجة مخاوف الطرف الآخر.

ففي السعودية، يسعى ولي العهد لوقف نزيف بلاده العسكري والاقتصادي والسياسي، فيما تريد طهران تهدئة مخاوف دول الجوار، وأيضاً من أجل تحريك مفاوضاتها مع الغرب التي سترفع عنها حجراً اقتصادياً موجعاً حال نجاحها.

هذه المصالح التي ينظر كل طرف إلى الآخر على أنه قد يكون جسراً من أجل المرور إليها، قد تمنح العراق دور الوسيط القادر على تقريب كراسي الطاولة للجميع، خصوصاً أن رئيس حكومة بغداد، يسعى لأن يكون لبلاده دور الوسيط في أكثر من أزمة.

واستضافت بغداد (السبت 28 أغسطس) قمة دول جوار العراق، والتي تطمح من خلالها لإحياء العلاقات مع محيطها العربي والتركيز على حل قضايا المنطقة أملاً في حل خلافاتها والنأي بنفسها عن الصراعات الإقليمية والدولية بعد أن تحولت إلى ساحة حرب بالوكالة.

رغبة إيرانية عليا

المحلل السياسي العراقي الناصر دريد يرى أن المفاوضات السعودية الإيرانية قابلة للاستمرار بغض النظر عن اسم أو توجه الرئيس الذي يحكم إيران، مشيراً إلى أن هناك رغبة لدى المرشد الإيراني الأعلى في حلحلة هذا الخلاف.

وقال دريد إن إيران عبّرت مراراً عن رغبتها تفكيك الخلاف مع السعودية، وإن المرشد يريد تركيز عداوته مع دولة الاحتلال والولايات المتحدة، ومن ثم لا مجال للحديث عن رغبة الرئيس الإيراني من عدمها.

ولفت المحلل العراقي إلى أن المرشد افتعل مشكلة اليمن ودعم الحوثيين عسكرياً من أجل الضغط على السعودية وإبعادها عن الخلاف الإيراني – الأمريكي الإسرائيلي.

وأضاف دريد: "المرشد الإيراني مستعد لتسليم اليمن للسعودية مقابل قبول الأخيرة بالخروج من دائرة الصراع والتحول إلى دولة صديقة".

ويرى المحلل العراقي أن هذا الأمر ليس بعيداً ومن الممكن تحققه بالنظر إلى قناعة الرياض بأن الولايات المتحدة لم تعد ذلك الحليف الداعم لها في مواجهة أي خصوم، كما أن الرياض يهمها إنهاء ملف اليمن بالدرجة الأولى".

بالإضافة إلى ذلك، يقول دريد، فإن "السعودية حالياً باتت مثقلة بالمشاكل خصوصاً الاقتصادية، ومن ثم فهي مستعدة لحل أزمة اليمن التي تستنزفها اقتصادياً مقابل عدم التسبب في أي مشاكل لإيران، سواء في العراق أو لبنان أو حتى سوريا".

لكن دريد يجزم بأن العراق لا يمكنه الضغط على أي من الأطراف، وأنه لا يملك ثقلاً دولياً أو إقليمياً ولا يملك أي ورقة ضغط على لاعب في المنطقة، مشيراً إلى أن ما يمكن للعراق القيام به هو لعب الدور الذي يريده منه الآخرون.

وخلص إلى أن بغداد قد تلعب دور قناة سعودية غير مباشرة مع إيران، أو ربما تلعب دور الواجهة الإيرانية في بعض الملفات بناءً على رغبة طهران، لكنها فعلياً لا تملك أي قوة تجعلها قادراً على التأثير في أي ملف بالمنطقة.

اضف تعليق