قام جمع من ذوي الفقيد آية الله الشيخ حسن صراف زاده، أحد علماء مدينة كاشان الإيرانية، والمنتسبين إليه برفقة العديد من أهالي المدينة، بزيارة المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، لتقديم التعازي لسماحته، ولإقامة مجلس تأبين الفقيد رحمه الله تعالى في قم المقدّسة، وذلك في يوم الجمعة الموافق للرابع والعشرين من شهر جمادى الأولى1437للهجرة (4/3/2016م).

في هذه الزيارة، ألقى سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، كلمة قيّمة، إليكم نصّها:

يجب أن يقرن العلم بالفضيلة. فلا فائدة من علم بلا فضيلة، بل سيكون فيه أضراراً. فقد عبّرت الروايات الشريفة عن هكذا علم بأنه علم إبليس وعلم الشيطان. علماً بأن إبليس كان له نصيباً وافراً من العلم، وكان يعلم كثيراً، ولكنه كان فاقداً للفضيلة. وعن هكذا علم، يقول الحديث الشريف: "لا يزيد صاحبه إلاّ بعداً من الله".

إذاً، وطبقاً للحديث الشريف، فإنه مهما كان الإنسان عالماً، وكان علمه غير مقروناً بالفضيلة، فسيكون بعيداً عن الله تعالى بمقدار ما له من العلم. فعلى كل عالم وكل من يطلب العلم، أن يقرن علمه بالفضيلة وأن يعمل بهذا النوع من العلم، بمقدار ما ينال ويحصل منه.

ذكرت الروايات الشريفة أنه (بالمضمون): من يشارك في تشييع جنازة عليه أن ينتبه لأمرين:

الأول: ما هو تكليفي لو كنت أنا بمكان هذا الميت؟ وما كان عليّ أن أفعله؟ وكيف قضيت عمري؟ وهل ان الله تعالى راض عنّي؟

الثاني: والآن حيث أنا على قيد الحياة، وأتحرّك برجلي، عليّ أن ألقّن نفسي، بأني سأكون يوماً كهذا الميت، وسأرحل عن الدنيا. وبهذا الخصوص يقول الشاعر:

"وإذا حملت إلى القبور جنازةً *** فاعلم بأنك بعدها محمول".

علينا أن نفكّر بالآخرة وبالزاد الذي ينفعنا ويفيدنا فيها، وعلينا أن نمعن التفكير بهذا المجال. فكل واحد منّا، مهما كان حسناً، فله القابلية والاستطاعة على أن يرتقي أكثر في هذا المجال. وإذا كان الإنسان ـ لا سمح الله ـ قد ظلم أحداً بلسانه أي بكلمة أو قول أو بتعامل أو بقوة، فطالما هو في الدنيا عليه أن يسعى إلى جبر الظلم وطلب الغفران والمعذرة من الله تعالى، وأن يطلب إبراء الذمّة ممن ظلمه أو آذاه. لأن الإنسان بموته وانتقاله إلى العالم الآخر لا يستطيع فعل أي شيء؟ فيجب الانتباه والاهتمام إلى الأمرين اللذين مرّ ذكرهما آنفاً، ويجب عدم الغفلة عنهما أبداً.

إن كان الإنسان ظالماً وجائراً، فسيلقى العذاب الإلهي بموته. وهو عذاب تطول مدّته، لملايين من السنين، ومثلاً إلى يوم القيامة، إلاّ إذا خفّف الله تعالى عنه. أي سيكون مبتلياً بالعذاب الإلهي دائماً، ولا مفرّ له منه.

اعلموا، ان الذين ابتلوا بالعذاب الإلهي، هم كانوا أناساً مثلي ومثلكم، ولكن الذي ابتلاهم بالعذاب الذي لا انتهاء له، هو الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء. فإذا لم يراقب الإنسان نفسه، ولم يعمل بتعاليم أهل البيت صلوات الله عليهم، فسوف لا ينفعه الندم حينها. فالذي يجب علينا أن نهتمّ به ونجعله دستوراً لحياتنا، في أول الأمر، هو الإيمان والاعتقاد بأصول الدين، أي التوحيد، والعدل، والنبوّة والإمامة والمعاد، وأن نرضى ونقبل بإمامة المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم، حيث هم حجج الله تعالى، كما قال مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه حول رسول الله صلى الله عليه وآله بأنه إمام الأئمة وقائد المعصومين صلوات الله عليهم. والسيدة الزهراء صلوات الله عليها والأئمة الإحدى عشر هم من المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم أجمعين.

نحن الآن في الأيام الفاطمية، وسوف تنتهي هذه الأيام، فبعض الناس يستفيد من هذه الأيام، وبعض لا يستفيد، والعياذ بالله، لأنهم لم يعملوا بمسؤوليتهم. فيجب أن نعلم جيّداً، ومن الضروري أيضاً، بأنه وكما ذكرت الروايات الشريفة، ان الله تعالى لا يرضى بالتوحيد بلا النبوّة، أي لا يقبل الله تعالى الإيمان به بدون الإيمان بالنبيّ صلى الله عليه وآله.

واستناداً إلى قول الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ان من آمن بالله وبرسوله الكريم صلى الله عليه وآله، لكنه لم يرضى أو لم يؤمن بحجج الله تعالى، أي لم يؤمن بإمامة أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، فسوف لا ينفعه أي عمل، ولا تنفعه أية طاعة، ولا يقبلا منه. فالله تعالى يريد (التوحيد، والنبوّة، والإمامة) معاً وجنباً إلى جنباً، وإلاّ فلا يرضى بدون ذلك. وكل الناس والبشر، معنيون بهذا الأمر الإلهي، وليس المسلمون فقط.

وبيّن سماحته: بعد استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله، ذهبت السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، إلى مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله، وخطبت خطبتها المعروفة. وكان في المسجد المهاجرين والأنصار، أي المسلمون كلّهم، ولكن السيدة الزهراء صلوات الله عليهم، استهلّت خطبتها بهذه العبارة: (أيها الناس). وهذا يعني انه البشرية كلّها معنية بما تقوله الزهراء صلوات الله عليها. وهذا يعني، أيضاً، أن الإسلام يجب أن يصل إلى كل المجتعات الإنسانية وأن تتمّ الحجّة عليهم. والسيدة الزهراء صلوات الله عليها قد أتمّت الحجّة في خطبتها.

نحن مسؤولون في إيصال تعاليم السيدة الزهراء صلوات الله عليها إلى العالمين، وتوعيتهم بما قالته صلوات الله عليها، ومنه، قولها صلوات الله عليها بعد استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله: (وأزيلت الحرمة).

فمما لا شكّ فيه أبداً، هو انه بعد استشهاد نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، أزيلت حرمة الله تعالى، وحرمة الإسلام، وحرمة النبيّ صلى الله عليه وآله، وحرمة الدين، وليس حرمة أهل البيت صلوات الله عليهم، فقط. ولذا، ومن هذا المكان، أوصي الكبار، والرجال والنساء، بالأخص الشباب، بأنه عليهم أن يطالعوا خطبة السيدة الزهراء صلوات الله عليها، كاملاً وتماماً، وأن يدلّوا الناس على ما في هذه الخطيبة الفضيلة النورانية، من محتويات ومضامين قيّمة وثمينة. فعلى الجميع أن يقوموا بهذه المسؤولية الكبيرة، كل قدر استطاعته، وبأية وسيلة كانت، كأن تكون عبر المنبر، أو الكتاب، أو المجلاّت، والصحف، ووسائل الإعلام الحديثة، وأن يؤدّوا دورهم في هذا المجال.

واعلموا ان المقصود من قول السيدة الزهراء صلوات الله عليها (أيها الناس) هو وجوب إيصال رسالتها صلوات الله عليها إلى العالمين، وتبيّينها لهم.

ألا، ما السبب في قول السيدة الزهراء صلوات الله عليها (وأزيلت الحرمة)؟ وهذا ما يجب أن يعرفه العالم، وكذلك أن يعرف العالم كلّه قول الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بأن (التوحيد والنبوّة والإمامة) أصول ثلاثة لا تفترق أبداً. ومن طرق تعريف الناس بذلك، هي إقامة الشعائر الفاطمية المقدّسة، بالأخص في هذه الأيام التي نحن فيها. علماً بأن قول السيدة الزهراء صلوات الله عليها، لا يختصّ بالأيام الفاطمية فقط، بل هو لكل أيام السنة.

يجب أن تقام الشعائر الفاطمية المقدّسة، في العالم كله، وليس في الدول الإسلامية فحسب، وأن تعمّم عالمياً. فعلى من يعتقدون ويؤمنون بالتوحيد والنبوّة والإمامة، ونفوسهم بالملايين، يجب أن يوصلوا هذه الشعائر إلى شعوب العالم، وأن يطلعوهم على الهدف المقدّس للسيدة الزهراء صلوات الله عليها، وعلى مضامين خطبتها الشريفة الدقيقة جدّاً.

كما عليكم أن تعلموا، بأنه يجب أن تكثر وتتوسّع الشعائر الفاطمية المقدّسة في الدول الإسلامية، بالأخص ذات الأغلبية الشيعية، كالعراق وإيران. فالكل، وقدرما يتمكّن عليه، مسؤول بهذا الصدد، ولا يقبل منه أي تقصير أو تهاون.

وأكّد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: يجب أن تقام هذه الشعائر وتحيا بأفضل وأحسن وأعظم ما يمكن. فهذا العمل هو من الموارد المهمّة جدّاً، وتنفع الإنسان وتحلّ مشاكله إلى يوم القيامة، وليس في أول ليلة بالقبر. فإذا تم أداء هذه المسؤولية بأداء حسن ومناسب، وبدون تقصير أو تهاون، فستكون لحظة الموت هي بداية السرور للإنسان. والويل لمن يقصّر في الشعائر الفاطمية المقدّسة، أو يضعّفها. ولنعلم أن الله تعالى سيكون هو الخصيم لمن يضعّف الشعائر، قبل أن تكون السيدة الزهراء صلوات الله عليها خصيمته. فالله تعالى: "يغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضا فاطمة".

أرجو للجميع، في كل زمان، بالأخص في هذه الأيام، وفي كل مكان من العالم، بالخصوص في الدول الإسلامية، وبالأخص في العراق وإيران، أن يبذلوا الهمم، وأن يضعوا أيديهم بأيدي بعض، لإقامة وإحياء الشعائر الفاطمية المقدّسة، بحماس أكثر من الماضي، وبأحسن وأفضل وأقوى ما يمكن. وأن يكون الله سبحانه وتعالى هو المعين لهم في هذا السبيل. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

اضف تعليق