نشر موقع "نون بوست" التركي تقريرًا بعنوان "السعودية على قائمة أوروبا السوداء لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب"، وقدم التقرير تفسيرًا مفصلاً للخبر الذي انتشر بقوة اليوم. وفيما يلي نص المادة:

في صفعة جديدة تتعرض لها السعودية، أضافت المفوضية الأوروبية الرياض إلى القائمة السوداء للدول التي تشكل تهديدًا للتكتل؛ بسبب تهاونها مع تمويل الإرهاب وغسل الأموال، إضافة إلى عدد من الدول الأخرى؛ من بينها: بنما، ونيجيريا، وذلك بعد أشهر طويلة من السجال بشأن الإعلان عن تلك القائمة.

تأتي هذه الخطوة كجزء من حملة تتبناها المفوضية تستهدف مكافحة غسل الأموال بعد عدة فضائح ضربت بنوك الاتحاد الأوروبي خلال الشهور القليلة الماضية؛ وهو ما أثار حفيظة عدد من الدول التي استشعرت القلق حيال مستقبل علاقاتها الاقتصادية مع الدول المدرجة.

ورغم الضغوط التي مورست لاستبعاد المملكة من القائمة من قبل بعض الحكومات، على رأسها المملكة المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، وبلجيكا، واليونان، بحسب ما ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" في تقرير لها في الثامن من الشهر الجاري، إلا أن المفوضية قررت إدراج السعودية.

وقد فشلت السعودية في نيل العضوية الكاملة في هيئة "فاتفا" في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعدما قررت الهيئة أن الرياض لم تحقق المتطلبات الضرورية للعضوية في مجال محاربة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، ولا سيما التحقيق والمحاكمة للأفراد المتورطين في عمليات واسعة لغسيل الأموال.

المملكة تأسف

في أول رد فعل لها على هذه الخطوة، أعربت المملكة عن أسفها لإعلان إدراجها ضمن القائمة المقترحة للدول "عالية المخاطر" في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والذي يأتي رغم إقرارها العديد من التشريعات والإجراءات ذات العلاقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بهدف الحد من المخاطر المرتبطة بتلك الجرائم، بحسب البيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية.

الرياض أكدت في بيانها التزامها القوي بالجهود العالمية المشتركة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي تتعاون فيها مع شركائها وحلفائها على الصعيد الدولي، كاشفة أنها شريك أساسي في التحالف الدولي ضد تنظيم (داعش)، وتقود مجموعة عمل مكافحة تمويل التنظيم، إلى جانب الولايات المتحدة وإيطاليا.

تقوم المفوضية بالنسبة لكل بلد بتقييم المستوى الفعلي للتهديد، والإطار القانوني والضوابط الموضوعة لمنع مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتنفيذها الفعال. كما أخذت المفوضية في الاعتبار.

البيان أشار كذلك إلى إقرار المملكة خلال السنوات الماضية العديد من القوانين والإجراءات التي تهدف إلى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتخفيف من المخاطر المرتبطة بها، فيما أشاد تقرير التقييم المتبادل حول السعودية، والذي نشره فريق العمل المالي (فاتف) في سبتمبر 2018، بمستوى التزام الرياض بتوصيات المجموعة.

وزير المالية، محمد الجدعان علق على هذه الخطوة بقوله: "إن التزام المملكة العربية السعودية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يعتبر أولوية استراتيجية، وسنستمر في تطوير وتحسين أطرنا التنظيمية والتشريعية لتحقيق هذا الهدف"، وتابع: "إن إعلان المفوضية الأوروبية عن إدراج المملكة ضمن القائمة المقترحة للدول عالية المخاطر في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب، سيمر بمرحلة التصويت في البرلمان الأوروبي قبل أن يكون نافذًا".

ما المعايير؟

القائمة التي أعدتها المفوضية جاءت على أساس تحليل 54 من البلدان، بالتشاور مع الدول الأعضاء، منذ 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، حيث تمتلك هذه البلدان التي تم تقييمها، واحدة على الأقل من المعايير التالية: "تأثير نظامي على سلامة النظام المالي للاتحاد الأوروبي، أو يعتبرها صندوق النقد الدولي كجنات ضريبية أو لديها أهمية اقتصادية للاتحاد الأوروبي وعلاقات اقتصادية قوية مع الاتحاد الأوروبي"، كما جاء في وثيقة الاتحاد الأوروبي.

ثم تقوم المفوضية بالنسبة لكل بلد بتقييم المستوى الفعلي للتهديد، والإطار القانوني والضوابط الموضوعة لمنع مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتنفيذها الفعال. كما أخذت المفوضية في الاعتبار، عمل فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، وهي الهيئة المعيارية في هذا المجال على المستوى الدولي.

ومن المعايير المطبقة لإدراج الدول على القائمة السوداء ضعف العقوبات المفروضة على غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتعاون غير الكافي مع الاتحاد الأوروبي في الأمر وعدم الشفافية بشأن الملاك الحقيقيين للشركات والصناديق.

العديد من الانتقادات وجهت للمفوضية بعد الإعلان عن قائمتها الأولية، على رأسها عدم إدراج دول ضالعة في فضائح غسل أموال في أوروبا، وهو ما أشار إليه النائب سفين جيجولد وهو من حزب الخضر وعضو في اللجنة الخاصة بالبرلمان الأوروبي المعنية بالجرائم المالية بقوله: "ما زالت بعض أكبر ماكينات غسل الأموال القذرة مفقودة. يشمل ذلك روسيا ولندن، وأيضًا أذربيجان"، فيما قالت فيرا جوروفا مفوضة العدل بالاتحاد الأوروبي: "إن المفوضية ستواصل مراقبة مناطق أخرى لم تدرجها بعد".

قرار كهذا من شأنه أن يسيئ لسمعة الدول المدرجة على القائمة، الأمر الذي يهدد مستقبل العلاقات المالية مع دول الاتحاد الأوروبي.

ماذا بعد؟

ارتفع عدد دول القائمة الأولية ليصل إلى 23 دولة ومنطقة، بدلًا عن 16، فيما أرجعت المفوضية ذلك إلى أنها أضافت مناطق لديها "أوجه قصور استراتيجية في أنظمتها الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب"، حيث ضمت ليبيا، وبوتسوانا، وغانا، وساموا، وجزر الباهاما، وأربع مناطق تابعة للولايات المتحدة، هي ساموا الأمريكية، والجزر العذراء الأمريكية، وبويرتوريكو، وجوام.

أما الدول الأخرى المدرجة هي: أفغانستان، وكوريا الشمالية، وإثيوبيا، وإيران، والعراق، وباكستان، وسريلانكا، وسوريا، وترينيداد وتوباجو، وتونس، واليمن، بينما تم رفع البوسنة والهرسك، وجيانا، ولاوس، وأوغندا، وفانواتو، من القائمة بعد الإجراءات التي اتخذوها في هذا المضمار خلال السنوات الماضية.

القائمة ليست نهائية، فأمام الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي ومجموعها 28 دولة مهلة شهر، ويمكن أن تمتد إلى شهرين لإقرار القائمة، وبإمكانها أن ترفضها بالأغلبية المؤهلة، بينما تقول مفوضة العدل بالاتحاد الأوروبي، وهي التي اقترحت القائمة في مؤتمر صحافي إنها واثقة من أن الدول لن تعرقل القائمة، مضيفة أنه يتعين التصرف بسرعة لأن "المخاطر تنتشر كالنار في الهشيم في القطاع المصرفي".

القائمة بعد الإعلان عنها ستعرض على البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي، للموافقة عليها خلال شهر واحد، مع تمديد محتمل لمدة شهر أيضًا وبمجرد الموافقة، سيتم نشر اللائحة في الجريدة الرسمية، وستدخل حيز التنفيذ، بعد 20 يومًا من نشرها، وذكرت وثيقة المفوضية الأوروبية أنّها "ستواصل حوارها مع البلدان التي تعتبر قاصرة من الناحية الاستراتيجية في هذا النظام، وستعمل على وجه الخصوص على وضع معايير لرفع الأسماء من القائمة".

ضغوط واسعة النطاق تتعرض لها السعودية خلال السنوات الماضية؛ إذ تسببت سياساتها في المنطقة في إحداث شروخات عدة في خارطة تحالفاتها الدولية، الأمر الذي جعلها هدفًا دائمًا للانتقادات الحقوقية.

الوثيقة كذلك "تسمح القائمة للبلدان المعنية بتحديد المناطق التي يمكن تحسينها بشكل أفضل من أجل تمهيد الطريق لاحتمال الإزالة من القائمة بمجرد التخلص من أوجه القصور الاستراتيجية"، كما "ستراقب المفوضية التقدم الذي أحرزته البلدان المدرجة في القائمة، وستواصل رصد البلدان قيد الاستعراض، وستبدأ في تقييم بلدان إضافية وفقًا لمنهجيتها المنشورة. وسيتم تحديث هذه القائمة وفقًا لذلك".

لاشك أن قرارًا كهذا من شأنه أن يسيئ لسمعة الدول المدرجة على القائمة؛ الأمر الذي يهدد مستقبل العلاقات المالية مع دول الاتحاد الأوروبي، فضلًا عما يؤصله من رسم صورة ذهنية سلبية عن الدول تؤثر فيما بعد على تصنيفاتها الائتمانية والاقتصادية ومؤشرات التقييم المستقبلية؛ الأمر الذي يدفع بنوك الاتحاد إلى إجراء فحوص إضافية على المدفوعات المتعلقة بكيانات من الدول والمناطق المدرجة في القائمة السوداء.

وقف الدعم الأمريكي في اليمن

الصفعات لا تأتى فرادى، ففي الوقت الذي تدرج فيه المفوضية الأوروبية السعودية على قائمتها السوداء، وافق مجلس النواب الأمريكي على قرار ينهي الدعم الأمريكي للتحالف بقيادة الرياض في الحرب على اليمن مع سعي كثير من النواب للضغط على الرئيس دونالد ترامب لتشديد سياسته تجاه المملكة.

التصويت وإن جاء بأغلبية 248 صوتا مقابل 177 فإن لن يكفي للتغلب على "حق النقض (الفيتو)" الذي تعهد ترامب باستخدامه ضد القرار الذي يتعلق بسلطات الحرب، إلا أن مشرعين ديمقراطيين وجمهوريين أعادوا قبل نحو أسبوعين طرح القرار كسبيل لتوجيه رسالة قوية إلى الرياض بشأن الكارثة الإنسانية في اليمن وللتنديد بقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.

مجلس الشيوخ من المتوقع أن يصوت على القرار خلال 30 يومًا، وهو الذي كان قد أقر النسخة السابقة من القرار بأغلبية 56 صوتًا مقابل 41 في ديسمبر (كانون الأول)، لكنها لم تطرح للتصويت في مجلس النواب حيث كان الجمهوريون يشكلون الأغلبية إلى أن انتزع الديمقراطيون السيطرة عليه في الثالث من يناير (كانون الثاني) بعد مكاسب كبيرة في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني).

السعودية التي اتهمت قطر قبل عام ونصف تقريبًا بتمويل الإرهاب، وقطعت علاقتها الدبلوماسية معها وعدد من الدول الأخرى، رغم نفي الدوحة لذلك، ها هي اليوم تواجه ذات التهمة، لكنها هذه المرة موثقة من قبل مفوضية ذات ثقل سياسي ودولي.

يذكر أن الأمم المتحدة كانت قد أدرجت التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن منذ العام 2015، على قائمتها السوداء بسبب دوره في مقتل وإصابة المئات من الأطفال وهجمات على مستشفيات ومدارس خلال العام 2016، وهو العام الثاني على التوالي الذي تدرج فيه المنظمة اسم التحالف في قائمتها وإن أُزيل في العام الأول لضغوط مورست حينها.

ضغوط واسعة النطاق تتعرض لها السعودية خلال السنوات الماضية؛ إذ تسببت سياساتها في المنطقة في إحداث شروخات عدة في خارطة تحالفاتها الدولية، الأمر الذي جعلها هدفًا دائمًا للانتقادات الحقوقية، ثم جاءت أزمة خاشقجي لتشكل رأيًا عامًا عالمًا ضد نظامها الحاكم الذي يواجه تهديدًا هو الأصعب له على طول العقود الماضية رغم حملات التلميع وتحسين الصورة التي يقوم بها وتكلفه عشرات المليارات.

السعودية التي اتهمت قطر قبل عام ونصف تقريبًا بتمويل الإرهاب، وقطعت علاقتها الدبلوماسية معها وعدد من الدول الأخرى رغم نفي الدوحة لذلك، ها هي اليوم تواجه ذات التهمة، لكنها هذه المرة موثقة من قبل مفوضية ذات ثقل سياسي ودولي، الأمر الذي جاء بمثابة الصدمة على كثير من السعوديين.

اضف تعليق