لا زال قانون جرائم المعلوماتية يثير جدلًا واسعًا في العراق خوفًا من تحويله إلى أداة للقمع والتضييق على الآراء، وظهرت المخاوف إثر إنهاء مجلس النواب قراءته الأولى بطلب من الحكومة.

ويرى قانونيون أن قانون الجرائم المعلوماتية لم يوضح المشرع فيه التعريف الواضح للتفريق بين النقد والانتقاد

ويعتبر الخبير والأكاديمي في القانون، محمد السامرائي، تشريع قانون الجرائم المعلوماتية "خطوة مهمة لما شكلته هذه الجرائم من خطر يهدد المجتمع والدولة"، مبررًا ذلك بأنّ "انتشار الجرائم الالكترونية بات يحتم إيجاد تنظيم قانوني لتجريم ومعاقبة مرتكبي الجرائم الالكترونية وبالشكل الذي لا يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان والحقوق والحريات العامة".

ويقول السامرائي إنّ "مسودة مشروع قانون الجرائم المعلوماتية أو الالكترونية لم تتاح بشكل رسمي ودقيق للجمهور والمختصين وأن ما متداول لغاية الآن هي مسودة قديمة تعود لعام 2018، حيث يفترض هناك أهمية لنشرها من أجل تحديد مشروع القانون بشكل واضح والاطلاع عليه من قبل المختصين وإبداء الآراء القانونية اللازمة لتدعيمه"، مشيرًا إلى أنّ "إشراك ذوي الاختصاص بالاطلاع ومناقشة القانون شيء مهم من أجل إخراجه بالشكل الصحيح الذي يحقق الغاية من تشريعه بعيدًا عن الأهواء السياسية أو تقييد الحريات".

وعن ملاحظاته حول مشروع قانون الجرائم المعلوماتية، بيّن السامرائي أنّ "استخدام مصطلح الجريمة المعلوماتية بدلًا من الجريمة الالكترونية قد يفهم منه شمول وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية، ولذلك؛ فالأصح هو تسميته بقانون الجرائم الالكترونية مع انسجام مضمون القانون مع عنوانه"، مؤكدًا أنه "يجب أن يكون الدخول غير المصرح به للمواقع والشبكات هو المجرم، فلا يجوز تجريم الدخول إذا كانت تلك المواقع مباحة أصلًا، وهنا يجب مراعاة ذلك في فقرات المادة الخامسة من مشروع قانون الجرائم المعلوماتية".

ودعا السامرائي إلى "إضافة فقرة تمنع تفتيش الاجهزة الالكترونية دون وجود قرار قضائي بذلك وتجريم من يتحاوز ذلك"، كما أشار إلى "ضرورة تضمين القانون مشروعية تفريغ محتوى الأجهزة الالكترونية بأمر قضائي ومن قبل فنيين ومختصين كشرط لاعتبار ما يتضمنه تفريغ المحتوى من معلومات".

ولفت الخبير القانوني إلى أنه "يجب تعديل نص المادة الثامنة من مشروع القانون وتحييد عمومية النص الذي يجرم الاعتداء على المبادي والقيم الدينية أو الأسرية أو الاجتماعية، كونها مصطلحات عامه وفضفاضة يمكن أن تستخدم بشيء غير صحيح للأضرار بالمواطنين"، مبينًا أنّه "يجب أيضًا تعديل نص المادة الخامسة فقرة ثانيًا بحيث يجب عدم المساواة في العقوبة على الدخول المجرد للمواقع والشبكات مع جرائم الاتلاف أو الحذف أو التغيير في البيانات".

وبشأن العقوبات الواردة في قانون جرائم المعلوماتية، قال السامرائي إنها " تصل إلى السجن لمدة عشر سنوات وهي عقوبات مغالى فيها كثيرًا بالنسبة لجرائم مستحدثة وغير منظمة مطلقًا ويجب التدرج في فرض العقوبات"، فيما أكد أنّ "القانون لم يراعي الحق في الحصول على المعلومة من قبل الباحثين والإعلاميين والمختصين مما يشكل قيدًا على الحقوق والحريات".

وكشف الخبير القانوني والقاضي السابق، علي جابر التميمي، عدة ملاحظات تم تسجيلها بشأن مشروع قانون الجرائم المعلوماتية الذي يعتزم مجلس النواب تشريعه بعد إتمام القراءة الأولى له.

وقال التميمي إنّ "قانون الجرائم المعلوماتية لم يوضح المشرع فيه التعريف الواضح للتفريق بين النقد والانتقاد"، مبينًا أنّ "هذه النقطة والتعريف أمر مهم جدًا لوجود مساحة كبيرة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، في حين قام المشرع بالتفريق بين السب والقذف والتشهير في مواده".

وتابع أنّ "النقد يراد منه الإصلاح والتقويم والخير في حين أن الانتقاد هو لوم وكشف المستور ونشر الغسيل"، مشيرًا إلى أنّ "النقد يخلو من ركن الجريمة المعنوي الذي هو أساس جرائم السب والقذف والتشهير"، فيما لفت إلى أنّ "الانتقاد هو إسناد واقعة لشخص إذا صحت جعلته موضع ازدراء في قومه وأيضًا هو المساس بالمشاعر".

وبيّن التميمي أنّ "النقد وفقًا لمشروع القانون، هو حسن النوايا وهو ظاهر الخير وباطن الجمال والانتقاد يخالف العادات والتقاليد والأعراف السائدة" موضحًا أنّ "النقد به حسن النية مفترض وهو ستر الآخرين ومساعدة بمد يد العون، وأما الانتقاد فهو محاولة إغراق الآخرين في الأوحال وهو هروب من الواجب".

ولفت إلى أنّ "هناك خيوط فاصلة بين النقد والانتقاد تحتاج إلى الدقة في التمييز والمعيار بين الاثنين وهو كل ما يشكل جريمةً"، مؤكدًا أنّ "ما يشكل جريمة هو الانتقاد الذي يعاقب عليه القانون، وعكسه النقد الذي هو في السليم، ومع ذلك لا يمكن رؤية الفرق من الرأي بسهولة إلا بمعرفة النوايا، أي القصد الجنائي الذي يظهره التحقيق".

وحول الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي التي يجب حضورها في القانون، يرى التميمي أنّ "هناك ضرورة لإنشاء قسم خاص في هيئة الإعلام والاتصالات يكون بمثابة تعديل لقانون 65 لسنة 2004 ويضمن هذا القسم عدد من المختصين في الإعلام والقانون ويراقب ما ينشر ويكون ارتباطه بالمدير التنفيذي للهيئة".

وأوضح الخبير أنه "في حال رصد الفريق الذي يتم إيكال المهام له ما يشكل جريمة، فيتم إحالة الشخص إلى المحكمة المختصة حسب الاختصاص المكاني القريبة من الهيئة وترتبط هذه الرقابة بجهات أمنية أخرى تستلم منها المعلومات".

وكالات

اضف تعليق