حمل مواطن عراقي على عاتقه التعريف بمعالم وحضارة بلده للعالم، وتحويل منزله الى فندق لاستقبال السائحين الاجانب في رسالة بليغة تعبر عن الاعتزاز بالوطن وتنبيه الجهات المعنية بتقصيرها تجاه المدن الاثرية والسياحية.

يسعى الشاب العراقي مصطفى عباس الفرطوسي، وبجهود ذاتية، إلى إبراز الوجه الجميل لبلاد الرافدين الذي غيبته الحروب والكوارث، وذلك عبر مبادرة فردية أطلقها، تتمثل باستقبال السائحين الأجانب، واصطحابهم إلى المواقع التراثية، والمعالم السياحية في بغداد والمحافظات الأخرى.

الفرطوسي، من مواليد عام 2000، وهو طالب في كلية الطب بجامعة بغداد، جعل بيته بمثابة الفندق، لكثرة الضيوف الوافدين، ومبيتهم الدائم في منزله، فهو يرى أن التعريف بمعالم بلده السياحية، والقيمة الحضارية، لها، "واجب وطني".

وقال الفرطوسي "أنا شاب طموح، يتمنى رؤية بلده كبلدان العالم المتطورة، وأحب رؤية العراق وجهة للسياح من مختلف الدول، وهو ما أفعله، وفق إمكانياتي البسيطة، لتغيير الصورة النمطية، المأخوذة عن أعرق البلاد، وأجملها، عبر دعوة الزملاء الأجانب، من مختلف دول العالم لزيارة العراق والاستمتاع بالتجربة الفريدة لبلد عمره 7 آلاف عام".

ويؤكد الفرطوسي، أن "التنسيق مع السائحين، يتم عبر الإنترنت، فهناك تطبيقات ومنصات مخصصة لذلك، مثل موقع "كاوتش سيرفينغ" (Couch surfing)، وكذلك مجموعة مقهى المسافرين العراقيين (Iraqi travelers cafe)، فضلا عن أن بعض السائحين أصدقاء لي، أو أتعرف عليهم من خلال الإنترنت، أو من خلال أصدقائي في العراق، حيث أستقبلهم في المطار، ثم أصطحبهم إلى منزلي، لتنطلق بعد ذلك الرحلات إلى مختلف محافظات البلاد، فضلاً عن أبرز معالم العاصمة بغداد".

وتابع "استقبلت عدة سياح خلال الفترة الماضية، من ألمانيا، وبلجيكا وهونغ كونغ، وما زلت مستمرا في هذا النشاط الذي يهدف إلى تقديم العراق للعالم بصورته الحقيقية، الصورة التي غيبها الإعلام، ونشر الفوضى والظلام عنه، لأن الصورة الحقيقية للعراق هي أنه من أول الأمم التي أقامت حضارة على الأرض، فنحن بلد الشعر والموسيقى، وتعدد الأديان والسلام والمحبة والألفة".

وفق الفرطوسي فإن ردة فعل السياح "كانت صادمة.. لم يتوقعوا أن يضم العراق، أماكن بتلك العظمة، والجمال، خاصة أن الأماكن التاريخية فيها سحر من نوع آخر، فالجمال الشرق أوسطي يكمن بالعراق، ومدنه من الشمال إلى الجنوب".

وأوضح أن "السائحين يبقون لعدة أيام في منزله بالعاصمة بغداد، حيث نخرج إلى المحافظات الأخرى، وزيارة المعالم الأثرية في بغداد، ثم نعود"، لافتاً إلى أن "أبرز المعالم التي نزورها في بغداد هي: مدينة الكاظمية، ومدينة الأعظمية، والمقبرة الملكية العراقية، والمتحف الوطني العراقي، والمتحف البغدادي، والمدرسة المستنصرية، وكذلك شارع الرشيد، وشارع المتنبي، وسوق الصفافير، وخان المدلل، وشارع أبو نواس، والمقاهي الشعبية المطلة على نهر دجلة، فضلاً عن زيارة المواقع السياحية في المحافظات الأخرى، مثل ذي قار، والنجف، وبابل وغيرها".

ويطمح الشاب العراقي إلى "توسيع مبادراته، لتشمل أكبر عدد ممكن من السياح، خلال الفترة المقبلة، أو تنظيم ذلك، بإطار واضح".

وكان العراق في السبعينيات والثمانينيات يستقبل أعدادا كبيرة من السياح سنويا، إلا أن الحروب والحصار قد أدت إلى تراجع الإقبال على زيارته، ورغم وفرة المواقع التاريخية التي يزخر بها العراق في مختلف محافظات البلاد، فإن السياحة الأثرية تكاد تختفي من البلاد التي تعتبر مهد الحضارات القديمة.

وتتوزع المواقع الأثرية في العراق، على طول البلاد وعرضها، وهي تعود إلى حقب زمنية مختلفة، بدءا من حضارة السومريين الأولى في العالم، وصولا إلى معالم نشوء الدولة العراقية الحديثة عام 1921.

وضربت الحروب والأوضاع الصعبة التي يعيشها العراق، منذ سنوات، قطاع السياحة في مقتل، حيث تعرضت آلاف المواقع إلى النهب والتدمير والتخريب، فضلاً عن سرقة المتاحف الوطنية، ما جعل قطاع السياحة، متذبذبا بشكل كبير.

كما أن الأوضاع الأمنية، التي شهدها العراق، والحروب الداخلية، خلقت بيئة مضطربة، يصعب معها على القادمين من الخارج التجول في مدن البلاد، وكان الزوار الأجانب على قلّتهم خلال السنوات الماضية، يبقون في المنطقة الخضراء شديدة التحصين، وأغلبهم ضمن البعثات الدبلوماسية، أو من القادمين في مهام صحفية وغيرها.

وتعليقا على هذه المبادرة رأى المتحدث باسم وزارة الثقافة العراقية الدكتور أحمد العلياوي أن تواصل أحد الشباب العراقيين مع السياح من مختلف البلدان، يؤكد أهمية دور المواطن في تعزيز قطاع السياحة، عبر نقل صورة مشرقة عن البلاد، وهو ما يخلق حقيقة لدى الأجنبي، بأن الأرض مهيأة لاستقباله.

اضف تعليق