جرى إعادة افتتاح معبر عرعر الحدودي بين العراق والسعودية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بعد إغلاقه لمدة 3 عقود عقب الغزو الصدامي للكويت. وتشير عملية إعادة الافتتاح إلى أن السعوديين يسعون إلى إعادة الانخراط مع العراق، في ظل توجه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي للانفتاح على العالم العربي.

ومع ذلك، واجه التقارب بين بغداد والرياض معارضة سياسية داخل العراق اذ صرح زعيم عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، قائلا: "لا يمكننا الوثوق في السعودية بسهولة"، وأصر على أنه يتعين على السعوديين الاعتذار عن إرسال الانتحاريين إلى العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003.

كما انتقدت العديد من الاحزاب مشروعا سعوديا مقترحا للاستثمار في تربية المواشي بمحافظة المثنى على الحدود العراقية السعودية. وينظر هؤلاء إلى المشروع على أنه تهديد للمياه الجوفية في العراق، ويخشون أن يكون محاولة للسيطرة على الأراضي العراقية بذريعة الاستثمار.

من جهتها، تحاول السلطات العراقية تسليط الضوء على مزايا الانفتاح على السعودية، خاصة بالنسبة لسكان جنوب العراق؛ فمحافظة المثنى هي أفقر محافظة في العراق، ويمكن أن تستفيد من انتعاش الاستثمار والتجارة مع السعودية. بحسب المزاعم الحكومية.

وأفادت وزارة الزراعة بأن مزارعين بدأوا في تصدير خضرواتهم إلى السوق السعودية عبر معبر عرعر. وإذا استمر هذا الأمر، فسيساعد ذلك المنتجين المحليين.

وأصبحت المعابر الحدودية والعلاقات العابرة للحدود مكونات أساسية في التنافس الإقليمي المتزايد على النفوذ في العراق. وكان هذا التنافس (بين إيران والسعودية وتركيا في المقام الأول) مدفوعا بشكل أساسي بدوافع تجارية وجيوسياسية.

وتجاريا، لم يكن العراق بعد سنوات من الحرب وعدم الاستقرار قادرا على بناء قطاع صناعي قوي أو إنعاش قطاعه الزراعي بالكامل، مما جعل البلاد تعتمد على الواردات. وخلق هذا حافزا للدول الأخرى للتنافس على السوق العراقي الذي يضم 40 مليون مستهلك.

ومن الناحية الجيوسياسية، أصبح العراق مكانا حاول من خلاله نفس الفاعلين -إيران والسعودية وتركيا- تعظيم نفوذهم الإقليمي.

وسهلت الانقسامات الداخلية في العراق وضعف مؤسسات الدولة مثل هذه الطموحات. ويعتبر فتح المعابر الحدودية، وزيادة التجارة، وتوسيع الروابط البرية والجوية بمثابة أدوات للضغط في خضم هذا التنافس. على سبيل المثال، دفعت إيران لفتح المزيد من المعابر الحدودية مع العراق وربط البلدين عبر خطوط سكك حديدية جديدة.

ويوجد حاليا 6 معابر حدودية رسمية و5 معابر غير رسمية (تم فتحها من قبل المهربين) على طول 1458 كيلومترا من الحدود العراقية الإيرانية. وكانت الحكومة الإيرانية طالبت العام الماضي بفتح 4 معابر حدودية إضافية مع إقليم كردستان، في إطار طموحها لزيادة قيمة صادراتها السنوية إلى العراق من 13 مليارا إلى 20 مليار دولار. ولم توافق السلطات العراقية على الطلب بعد.

وفي الوقت نفسه اتفقت الحكومتان الإيرانية والعراقية على إنشاء خط سكة حديد لتسريع حركة البضائع والأشخاص بين البلدين عبر مدينة البصرة جنوبي العراق. وسيسهل خط السكة الحديد في نهاية المطاف نقل البضائع من الصين إلى البحر الأبيض المتوسط، وفقا للنائب الأول للرئيس الإيراني "إسحاق جهانجيري".

وفي الواقع، أصبح ربط العراق بمبادرة "الحزام والطريق" الصينية وتحويله إلى عقدة تربط بين آسيا وأوروبا والبحر الأبيض المتوسط ​​أهدافا مهمة لحلفاء إيران العراقيين وجزءا من خطابهم السياسي لمواجهة النفوذ الأمريكي أو الاهتمام السعودي المتزايد بالعراق. وقد دفعت الصفقة الأخيرة بين الصين وإيران (البالغة 400 مليار دولار) بعض هذه الجماعات إلى تعزيز رسالتها حول مزايا ربط العراق بالشرق بدلا من الغرب

كما أن تركيا وإيران، ثاني وثالث مصدرين رئيسيين للعراق بعد الصين، لديهما مصلحة في الحفاظ على حصتهما في السوق العراقية. وقد أضر الحظر العراقي الأخير على استيراد السلع، بما في ذلك البيض والدواجن، بالمنتجين الأتراك والإيرانيين؛ مما دفع أنقرة وطهران للضغط على الحكومة العراقية لتخفيف الإجراء.

وقال مسؤولون عراقيون إن الحظر ساعد في تنمية صناعة البيض المتعثرة في العراق. ومع ذلك، فقد أقروا أيضا بأن المنتجين الأجانب يتحايلون على القيود بشكل غير قانوني. في حالة تركيا، فإن الجانب العراقي من المعبر الحدودي الرئيسي يخضع لسيطرة حكومة إقليم كردستان، والتي غالبا ما تمتنع عن تنفيذ قرارات بغداد.

وفي الوقت نفسه، تسعى تركيا إلى إقامة علاقات مباشرة مع المناطق الخاضعة لسيطرة بغداد دون المرور عبر إقليم كردستان. وفي عام 2017، أعاد الأتراك والحكومة العراقية إحياء الفكرة في الوقت الذي عارض فيه الجانبان استفتاء استقلال كردستان. ومن بين القضايا التي نوقشت اقتراح فتح بوابة حدودية جديدة في أوفاكوي لتسهيل التجارة الثنائية.

ومع ذلك، تم تعليق الخطة بسبب المعارضة الكردية، بالرغم أن تركيا ما تزال تبحث عن طرق لتوسيع نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي في شمال العراق. ويتمثل أحد المقترحات في إنشاء خط سكة حديد يربط الموصل بعنتاب في جنوب تركيا.

وواجهت معظم هذه المشاريع صعوبات فاقمتها جائحة فيروس "كورونا". إضافة إلى ذلك، فإن المنافسة بين دول الجوار الثلاث، والتي أدت أيضا إلى تعزيز الاستقطاب في السياسة الداخلية العراقية، تعني أن فتح معابر حدودية جديدة وإنشاء خطوط طرق وسكك حديدية هو قرار سياسي.

وبسبب الفساد المستشري والطبيعة المختلة لوظيفة الدولة وتأثير الجهات الفاعلة غير الحكومية، ستظل هناك شكوك حول قدرة العراق على الاستفادة من هذه الفرص.

وستستفيد المناطق الحدودية اقتصاديا من فتح معابر حدودية جديدة وتوسيع الروابط مع البلدان المجاورة؛ مما سيقلل من الضغط على المراكز الحضرية في العراق التي تستوعب كل عام عشرات الآلاف من المهاجرين من المناطق النائية.

في الوقت نفسه، إذا أدت التجارة عبر الحدود إلى استمرار اعتماد الاقتصاد العراقي على الاستيراد، فإن توسيع المعابر الحدودية لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد المعاناة التي يواجهها المزارعون المحليون والمنتجون.

المصدر: (الخليج الجديد)

اضف تعليق