تفاعل آلاف السوريين في تركيا مع حملة "قافلة النور" للهجرة الجماعية إلى أوروبا، بسبب صعوبة البقاء بتركيا في ظل غلاء الأسعار وارتفاع الإيجارات، وتحول بطاقة الحماية المؤقتة "الكيملك" إلى عبء على السوريين مع تنامي موجات العنصرية، وتقييدها تنقلَ السوريين بين الولايات التركية.

وأطلق نشطاء سوريون الحملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي استعداداً لموجة هجرة جديدة من تركيا باتجاه أوروبا عبر اليونان، داعين المنظمّات الإنسانية والإغاثيّة والإعلاميّة لتغطية الحملة وتسهيل وصول السوريين إلى أوروبا وحمايتهم من أي مخاطر قد يواجهونها أثناء الرحلة، مشيرين في رسالتهم "مستقبلنا يتوقف على دعمكم لنا".

ورغم المخاوف من ردة الفعل العكسية لـ"قافلة النور" وما قد يصاحبها من المزيد من التشدد التركي أو الأوروبي تجاه السوريين، إلا أن السوري بلال حسين يرى أن المشاركة في الحملة يعد محاولة لتسليط الضوء على معاناة السوريين "قد تنتبه المفوضية السامية بالاتحاد الأوروبي، وتسهّل هجرة السوريين عبر إعلان دول عن حاجتها للاجئين كما تعلن كندا وأحياناً هولندا".

ويشير حسين، 28 سنة، إلى أن الأعداد المتزايدة للحملة "نحو 35 ألف سوري حتى اليوم" يمكن أن تكون عامل ضغط، سواء على الداخل التركي، لتغيير التعامل العنصري وتقليل خطاب الكراهية، أو على الدول الأوروبية لتعيد فتح الحدود، كما في عام 2015، لأن البقاء بتركيا حسب قوله "لم يعد ممكناً بواقع الغلاء والخطاب العنصري المتزايد كلما اقتربت الانتخابات الرئاسية المقررة في 2023"

ويوضح العامل في قطاع النسيج إلى صعوبات الهجرة السرية والتي تكون "بحراً وبراً عبر الغابات"، مضيفا: "أحياناً يضطر المهاجر للمشي 15 يوماً"، ورغم وفاة طفلة سورية أمس على مركب متجه نحو اليونان، وقبلها شاب سوري في الغابات خلال المسير، لكن تلك الحوادث، بحسب حسين، لم تثن كثيرين عن التصميم للهجرة: "يوجد ضمن الحملة الآن أكثر من 20 ألف شاب مستعدون للهجرة وبدء المسير".

ويرى القانوني السوري ياسر السيد أن "حملة قافلة النور هي إعلامية وإعلانية ليس إلا"، جاءت بسبب الضغوطات المتزايدة على السوريين "عنصرية وتنمّر من أتراك" وضيق العيش بعد ارتفاع الأسعار وغلاء إيجار المساكن أكثر من 200% خلال عامين، معتبراً أن ما يقال عن "تقارب تركي مع نظام الأسد" السبب المباشر الذي زاد من مخاوف السوريين في تركيا، فلجأوا لحملة الهجرة الجماعية كما زادت أعداد المهاجرين السريين خلال الأشهر الأخيرة.

وحول قانونية الحملة وإمكانية تساهل تركيا أو تسهيلها الهجرة الجماعية، يضيف السيد أنه إن أرادت تركيا أن تستخدم هذه الحملة للضغط على الاتحاد الأوروبي الذي لم يلتزم ببنود اتفاق عام 2016، "فمن المؤكد لن يكون التسهيل أو التساهل علنياً".

ويوضح السيد أن الحملة غير قانونية وغير منطقية أيضاً، ولا يمكن لتركيا أن تسمح بهجرة الآلاف كما لا يمكن لدول الاتحاد الأوروبي المجاورة لتركيا أن تستقبلهم، "هذا إن لم نفصّل بطرق الوقاية الأوروبية التي وصلت للرمي بالبحر أو القتل بواقع صعود اليمين المتطرف ببعض الدول".

وعن مصير من يلقى القبض عليه بحالة هجرة سرية، يقول السيد: "قد تعيد تركيا المهاجرين إلى الولايات المسجلين فيها إن كانت الأعداد كبيرة، ولكن الأرجح أن يتم ترحيلهم إلى شمال غربي سورية، إن كانت الأعداد قليلة".

ويعاني السوريون في تركيا "من استغلال المهربين"، وفقا لعبد الله الإدلبي، "كما طلب تعريفه"، إذ تصل تكاليف التهريب عبر البحر حتى 4 آلاف دولار، ويقل المبلغ كلما زادت المخاطر وتدنت مواصفات البلم المطاطي".

ويكشف الإدلبي، الذي فشل مرتين بالهجرة السرية، أن المناخ الآن مناسب للهجرة، ما زاد من انتشار المهربين وأحياناً كسر الأسعار، بسبب زيادة طالبي الهجرة السرية، "ولكن لا أحد مضمون وعشرات حالات التخلي أودت بحياة المساكين".

يضيف الأدلبي أن ما سبق دفع سوريين لتشكيل مجموعة "مغامرون بلا حدود" في الشهر الرابع من عام 2020 على يد شبان سوريين، لمساعدة الراغبين بالذهاب إلى أوروبا من دون مهربين، وخلال أشهر، باتت مجموعتهم على فيسبوك تضم أكثر من مئة ألف شخص وقناتهم على تلغرام يتابعها عشرات الآلاف.

وتحاول هذه المجموعة تنظيم هجرة السوريين من تركيا ورسم خطوط الطرقات بشكل آمن، بالإضافة إلى تنظيم أعداد المجموعات التي تسير على الطرقات من تركيا ثم إلى اليونان وبقية الطريق.

ويقول عماد، وهو أحد مؤسسي المجموعة، خلال تصريحات سابقة: إن الفكرة انطلقت من تجربتي الشخصية، إذ بدأت رحلتي إلى أوروبا بمعزل عن استغلال المهربين، وأضفت نقاط الاستدلال على الطريق باستخدام خرائط غوغل. وحفظتها ليستفيد منها غيري، وكانت لدي رغبة بنشر الفكرة وتحرير السوريين من رحمة المهربين الذين يتعاملون مع الناس كبضاعة رخيصة، وغايتهم الأساسية الحصول على المال على حساب حياة الناس وكرامتهم.

ويقلل الناشط السوري حسن فاضل من "جدوى القافلة" مذكراً بأن القوافل السابقة لم تنجح، بل "فتّحت العين وأضرت بالمهاجرين بعد التشدد على الحدود التركية واليونانية، فقافلة "عابرون لا أكثر" عبر بحر إيجة فشلت، وقافلة "الأمل" عام 2020 في ولاية أدرنة فشلت، بل رأينا قمعاً ومشاهد مؤلمة من الجيش اليوناني، كما رأينا قافلة الأمل "الكدرية" العام الماضي على الحدود البيلاروسية البولندية "معبر برزوجي" فشلت، وغيرها العديد من التجمعات والقوافل.

ويضيف فاضل: "إن فرضنا (جدلاً) أن تركيا تتساهل اليوم، بحكم الوضع الداخلي، السياسي والاقتصادي، لكن الدول الأوروبية المجاورة لتركيا تتشدد وترفع من جهوزية حرس الحدود وترفع الأسوار عبر الأسلاك الشائكة".

ويصف فاضل "حملة قافلة النور" بأنها أضرت من كان يفكر بالهجرة الفردية أو عبر مجموعات صغيرة، لكنها، برأيه، قد تحقق أهدافاً معنوية وتعيد اللاجئ السوري الذي يتعرض للتنمر في بلدان اللجوء، والإرهاب في بلده، إلى الضوء واهتمام الدول: "ألم تروا أمس أن الأمم المتحدة أبعدت السوريين خلال المؤتمر الأممي حول ضحايا الإرهاب، ولم يكن أي نموذج عن سورية رغم عشرات الحالات عن الأردن والعراق...بل تم فتح المجال لوزير خارجية النظام فيصل المقداد ليتكلم ثلاث دقائق".

ولا يستبعد السوري فاضل (52 سنة)، المقيم بولاية إسطنبول، أن تعيد القوافل والحملات الاهتمام بالاتفاقات والمساعدات للاجئين السوريين، خاصة الموقعة عام 2016 بين تركيا والاتحاد الأوروبي بهدف الحد من الهجرة السرية.

وتتهم تركيا دول الاتحاد الأوروبي "بعدم الالتزام ببنود الاتفاق" الذي وقعه الطرفان في 18 مارس/آذار 2016، مثل إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة الدخول إلى دول الاتحاد، وتقديم مساعدات مالية بقيمة 6 مليارات يورو للاجئين في تركيا، وتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي، وكذلك تسريع مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد.

في حين تشير أنقرة إلى أنها التزمت بشروط دول الاتحاد الأوروبي الستة والمتضمنة "تدابير في مجال مكافحة الفساد، وعقد اتفاقية تعاون مع مكتب الشرطة الأوروبي (يوروبول)، وتعديل قوانين مكافحة الإرهاب وفق معايير أوروبا، وتنظيم تعديلات قانونية أو دستورية متعلقة بحماية البيانات الشخصية وفق معايير الاتحاد الأوروبي، والتعاون الفاعل مع جميع أعضاء الاتحاد بالقضايا المتعلقة بالجرائم، وتطبيق جميع بنود اتفاق إعادة القبول".

اضف تعليق