حلّت السنة الـ 74 على قيام الكيان الإسرائيلي المؤقت على أرض فلسطين المحتلة بعد اجتياحه أراضيها عام 1948، وسط حالة من التهديد الوجودي الذي بات يلمسه المسؤولون الإسرائيليون بشكل واقعيّ أكثر، لأن التاريخ والعقائد اليهودية تشهد بأن هذا الكيان "محكوم بالزوال والمسألة مسألة وقت" (حسب ما عبّر أحد أهم مؤسسي الكيان ديفيد بن غوريون).

ويتشاءم الإسرائيليون من العقد الثامن الذي دخلت فيه "دولة اليهود الثالثة" -وهي الدولة القائمة على احتلال فلسطين حالياً- ذلك أن المملكتين اليهوديتين السابقتين، اللتين كان قد جرى تأسيسهما في البلاد، وفق الرواية اليهودية، "مملكة داوود" و"مملكة الحشمونائيم"، لم تستطيعا تجاوز العقد الثامن من عمريهما.

وفي عام 2017 -وهو العام الذي يوافق الذكرى التاسعة والستين لقيام إسرائيل- شارك نتنياهو في نقاش ديني بمناسبة عيد "العرش اليهودي"، أعرب فيه عن مخاوفه من زوال إسرائيل خلال السنوات القادمة؛ مخاوف نتنياهو الأخيرة كانت تختبئ خلف قوله إن مملكة "الحشمونائيم" عاشت نحو 80 سنة، وإنه يعمل لضمان اجتياز إسرائيل هذه المدة والوصول بها إلى مئة عام.

ومملكة "الحشمونائيم"؛ هي مملكة يهودية كانت موجودة في فلسطين، تأسست عام 140 قبل الميلاد وانتهت بسيطرة الإمبراطورية الرومانية على البلاد عام 63 قبل الميلاد، حيث دام عمرها 77 عاماً.

في مقال نشر عام 2020 تحت عنوان "إسرائيل في امتحان العقد الثامن"، كتبه رئيس مجلس الأمن القومي السابق، الجنرال في الاحتياط عوزي ديان أعاد فيه إلى أذهان المواطنين اليهود في إسرائيل شؤم العقد الثامن بالمملكتين اليهوديتين السابقتين، وأضاف إليهما العديد من التجارب الدولية التي تفيد بأن العقد الثامن هو عقد محمل بالمخاطر وكثيراً ما انتهى بـ"تفكك عنيف"، على حد تعبيره.

وإن كان هناك من إضافة يشار إليها في هذا المقام؛ فيمكن اعتبار تصريحات منظر السياسة الأميركية (هنري كيسنجر) التي نشرتها صحيفة "نيويورك بوست" في 30 أكتوبر 2012 "أنّه بعد عشر سنوات لن تكون هناك اسرائيل"، على أنها تحول متميز في تفكير هذا الرجل الذي نذر حياته كلها لحماية "الوجود الصهيوني" من الانهيار والزوال.

وقد حاولت مساعدة كيسنجر، تارابتزبو، نفي هذه التصريحات بعدما أثارت استياء إسرائيل ورعبها، إلا أن سيندى آدمز، المحررة في صحيفة نيويورك بوست، أكدت أن مقالها الذي نشرت فيه هذه التصريحات كان دقيقاً، موضحة أن كيسنجر قال لها هذه الجملة نصاً: "In 10 years, there will be no more Israel"

وسبق لرئيس جهاز الموساد سابقاً، مائير داغان، القول في مقابلة مع صحيفة جيروزلم بوست في أبريل 2012: "نحن على شفا هاوية، ولا أريد أن أبالغ وأقول كارثة، لكننا نواجه تكهنات سيئة لما سيحدث في المستقبل".

في 7/5/2022 أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك مخاوفه من قرب زوال إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، قائلا في مقال له بصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية "على مرّ التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن"، وأضاف إن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن، وإنه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها.

وتابع باراك قائلا "إن إسرائيل تقع في محيط صعب لا رحمة فيه للضعفاء"، محذرا من العواقب الوخيمة للاستخفاف بأي تهديد، قائلا "بعد مرور 74 عاما على قيام إسرائيل أصبح من الواجب حساب النفس"، منبّها إلى أن "إسرائيل أبدت قدرة ناقصة في الوجود السيادي السياسي"، وذكر أن "العقد الثامن لإسرائيل بشّر بحالتين: بداية تفكك السيادة ووجود مملكة بيت داود التي انقسمت إلى يهودا وإسرائيل، وبوصفنا كيانا وصلنا إلى العقد الثامن ونحن كمن يتملكنا العصف، في تجاهل فظ لتحذيرات التلمود".

اضف تعليق