يرى قضاة تحقيق أن جرائم الاحتيال متنوعة الطرق والحيل، لافتين إلى أن طرق إثباتها غالبا ما تكون عبر شهود أو من خلال الأدلة الفنية كالكاميرات والمقاطع الصوتية.

وذكر القضاة أن الجهل والعوز المادي هي أبرز الأسباب التي توقع الضحايا في شرك المحتالين، مؤكدين أن هذه الجرائم غالبا ما تنتشر في المناطق التي تشهد نشاطات اقتصادية وتجارية.

ويقول قاضي محكمة تحقيق الرصافة باسم صالح إن "الاحتيال هو الاستيلاء على ما مملوك للغير بقصد تملكه وذلك عن طريق طرق الاحتيال التي نص عليها قانون العقوبات وهذه الطرق بينتها المادة 456 من قانون العقوبات حيث نصت على أن يعاقب بالحبس كل من توصل إلى تسلم أو نقل حيازة مال منقول مملوك للغير نفسه أو لشخص آخر باستعمال (...) طرق احتيالية أو اتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة أو تقرير أمر كاذب عن واقعة معينة متى كان من شأن ذلك خداع المجنى عليه وحمله على التسليم".

وعن الأدلة التي يجب تقديمها من قبل المشتكي لإثبات واقعة الاحتيال، ذكر القاضي باسم صالح "من خلال الاطلاع على النصوص القانونية التي عالجت جريمة الاحتيال ومن خلال التطبيقات القضائية التي عرضت علينا فان الأدلة التي يقدمها المشتكي تختلف باختلاف طبيعة الجريمة فهناك جرائم لا يستطيع المجنى عليه أن يتحصل فيها على دليل وذلك لبراعة الجاني وتمرسه واحترافه في هذا النوع من الجرائم بحث لا يترك دليلاً ضده"، مبينا أن "أكثر جرائم الاحتيال تثبت بالشهادة فغالباً ما يكون الاتفاق الذي يحصل بين الجاني والمجنى عليه أمام أشخاص عدة".

فيما أكد "وجود أدلة فنية أخرى ومنها تصوير الكاميرات لواقعة الاحتيال والاتصالات الهاتفية والرسائل النصية حيث غالباً ما يكون الجاني والمجنى عليه على اتصال دائم يتعمده الجاني لغرض الإيقاع والتدليس بالمجنى عليه، فضلا عن وجود أدلة أخرى منها السندات التي يقوم بتحريرها الجاني للمجنى عليه يتعهد بموجبها أو يقر باستلامه الأموال من المجنى عليه".

وتابع صالح "نادراً ما يكون هناك اعتراف من الجاني بارتكابه واقعة الاحتيال المنسوبة اليه وهذا الإقرار إما أن يكون من صحوة ضمير الجاني، أو من خلال الضغط العشائري الذي يحصل بين ذوي الطرفين أو من خلال ثبوت الأدلة المتحصلة بحقه بعد مواجهته بها فيضطر للاعتراف وخصوصاً الادلة الفنية منها تصوير الكاميرات والمكالمات الهاتفية والرسائل النصية".

وعن أبرز عمليات الاحتيال التي عرضت عليه يشير قاضي تحقيق الرصافة إلى وجود "حالات كثيرة ومتنوعة ولعل اكثرها شيوعاً هو أن يعمد شخصان أو اكثر يتزين أحدهم بالزي العربي مدعياً بأنه من احدى الدول الخليجية ولديه اموال يريد انفاقها على الفقراء وهذه الاموال غالباً ما تكون بعملات أجنبية موقوف التعامل فيها أو مزيفة حيث يقوم بخداع المجنى عليه بها، وغالباً ما يتم اختيار اشخاص من كبار السن من الرجال والنساء مستغلاً عدم معرفتهم بهذا النوع من العملات"، مبينا أن "هناك جريمة شائعة أيضاً وهي بيع عقارات الأشخاص المهاجرين والمهجرين وكذلك بيع عقارات الدولة خصوصاً الأراضي الخالية من البناء".

ولفت إلى أن "هنالك جريمة احتيال شائعة وهي قيام الجاني بانتحال صفة موظف كبير في احدى الوزارات فيعمد على تدليس المجنى عليهم من خلال ادعاء مقدرته على التعيين لقاء مبالغ مالية"، كاشفا عن "القبض على الكثير من هؤلاء المجرمين ممن يمارسون هذه الطريقة من طرق الاحتيال وإحالتهم إلى المحاكم المختصة".

وعن اغرب جريمة احتيال عرضت عليه يروي القاضي "قيام احد النصابين بنشر إعلان على صفحته على مواقع التواصل مدعياً بانه يحتاج إلى عدد كبير من الحلاقين لغرض العمل في السفارة الأميركية حيث حضر المجنى عليهم وبأعداد كبيرة ومن جميع المحافظات أمام مبنى السفارة الأميركية حيث قام الجاني بتسليم المجنى عليهم كيس وطلب منهم وضع مستمسكاتهم واجهزة الموبايل الخاصة بهم والمبالغ النقدية التي يحملونها وبعد استلامه تلك الأكياس طلب منهم البقاء في مكانهم لغرض الدخول إلى مبنى السفارة، الا انه قام بالهروب حتى تمت ملاحقته وتم الحكم عليه".

وبشأن الحلول اللازمة للحد من جرائم الاحتيال ذكر القاضي باسم صالح "نلاحظ أن سبب وقوع المجنى عليهم ضحية لتدليس الجاني وكذبه هو غالباً ما يكون الجهل والبطالة والفقر فالضحايا أن المجنى عليهم وخصوصاً الخريجين منهم يتشبث بأي شيء من اجل التعيين فيضطر للانصياع الى مآرب وأكاذيب الجاني فيقوم بتسليم امواله اليه ولعل اهم الحلول للحد من جرائم الاحتيال هي نشر الوعي الثقافي من خلال وسائل الاعلام والاتصالات بحيث تقوم الوزارة أو المنشأة في حالة وجود وظائف لها الإعلان عن تلك الوظائف على موقعها الرسمي أو بالقنوات الفضائية وتحديد شروطها والتنبيه بعدم قبول اي طلب من خارج الموقع الرسمي للدائرة او المنشأة".

من جانبه، قال قاضي محكمة جنح العمارة مارد حمود إن "المشرع العراقي في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل خصص فصلا خاصا لجريمة الاحتيال وتناولها في فقرتين وحدد عقوبة الحبس لمن يرتكب هذه الجريمة وقد حدد أنواع الاحتيال بـ(كل من تصرف أو توصل أو تسلم أو قام بنقل حيازة منقول)".

وتحدث القاضي مارد حمود عن أوجه الاختلاف بين الاحتيال والسرقة مؤكدا أن "جريمة الاحتيال تختلف عن جريمة السرقة كون جريمة السرقة هي اختلاس مال منقول مملوك للغير عمدا وبالتالي أن عقوبتها تصل إلى السجن المؤبد وفي بعض الاحيان قد تصل العقوبة بحقه إلى الإعدام فيما إذا توفرت ظروف أخرى مع جريمة السرقة".

وأضاف أن "هنالك دعاوى كثيرة ومختلفة تم النظر فيها وصدرت أحكام بحق المجرمين ولعل ابرز القضايا في الاحتيال هي القضايا المتعلقة ببيع وشراء الدور والأراضي السكنية وكذلك بيع وشراء السيارات إضافة إلى المعقبين الذين يعملون في بعض الدوائر حيث هناك أكثر من قضية منظورة أمام هذه المحكمة تتمثل بقيام الأشخاص ببيع قطع أراض بحجة أنها تعود إليهم، كذلك هناك بعض الدعاوى المنظورة يدعي بعض الأشخاص بانتحال صفات وهمية مثل ضابط في دائرة معينة أو موظف يستولي على مبالغ مالية من المواطنين بطرق احتيالية".

ولفت إلى أن "أكثر الأماكن التي تكثر فيها عمليات الاحتيال فهي التي يكون فيها نشاط تجاري أو اقتصادي، فضلا عن بعض المحتالين الذين يستغلون عدم فهم الناس بالقانون باستعماله طرق احتيالية بحجة ترويج المعاملات أو تسهيل إجراءاتها".

وختم القاضي حديثه بأن "هناك أساليب متبعة للقيام بجريمة الاحتيال والتي تتمثل بقيامه بسلوك اسلوب معين حسب كل نوع من أنواع الاحتيال فـ أحيانا يرتدي الزي العسكري الرسمي لغرض التمويه بانه ضابط أو ينشئ له مكتبا معينا لمزاولة نشاط تجاري أو اقتصادي بصورة احتيالية أو يتواجد في الدوائر الرسمية وشبه الرسمية لغرض تمويه المواطنين بأنه متمكن في هذا المكان".

اضف تعليق