تعد التجارة بين دول الخليج وإيران التي تمارَس سراً شريان الحياة الذي يخفف وطأة العقوبات الأمريكية على طهران، ففي ساعات النهار تغادر القوارب بمحرك ميناء خصب للصيد أو تنقل السياح إلى مضايق منعزلة، وبعد حلول الظلام، تتحول حركة المرور شمالاً، لتمثل مساراً سرياً تعبر منه التجارة بين دول الخليج وإيران.

100 كيلومتر فقط تفصل بين هذه المدينة العمانية وميناء بندر عباس في إيران، رحلة ساعة أو ساعتين بواسطة مركب شراعي وقد جعل هذا الموقع ميناء خصب العماني مركزاً طويل الأمد للتهريب، وتتسامح السلطات العمانية مع هذه التجارة، طالما أنها تحدث بعد حلول الظلام، حسبما ورد في تقرير لمجلة ذي ايكونوميست البريطانية.

ورغم توثيق عمليات تهريب المنتجات النفطية الإيرانية تحديداً، وتنديد الولايات المتحدة بها، فإن هذا النشاط ما زال يتواصل، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

وكانت هذه التجارة مربحةً للغاية حتى قبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. إذ تتمتع إيران بأرخص أسعار النفط العالمية، نتيجة الانخفاض الشديد لتكلفة الإنتاج، والدعم الحكومي الكبير، وضعف العملة، لكن إعادة فرض العقوبات الاقتصادية منحت تلك التجارة دفعةً إضافية، في ظل سعي المهربين للإفلات من العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيرانية.

وقال الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في 7 ديسمبر/كانون الأول 2021، إن "مبيعات النفط الإيراني شهدت تحسناً ملحوظاً رغم التهديدات والحظر الأمريكي".

قبل عقد من الزمن، مع تراكم العقوبات المتعددة الأطراف على إيران، بهدف الضغط عليها لإجراء محادثات بشأن برنامجها النووي، اتجهت القوارب شمالاً محملة بالأجهزة والسيارات الفاخرة في رحلة العودة، حملت بعض الأغنام ذات المظهر الجيد لبيعها في دولة الإمارات المتحدة المجاورة.

وتتمتع إيران بعلاقات تجارية أوثق مع الصين وبات لديها قطاع تصنيع متنامٍ، وكلاهما يقلل من الحاجة إلى ثلاجات وأجهزة تلفزيون مهربة عبر المراكب الشراعية.

ومع ذلك، فإن أماكن مثل خصب توضح العلاقة المعقدة بين إيران وجيرانها.

وتتمتع دول مجلس التعاون الخليجي المكونة من ستة أعضاء بعلاقات محفوفة بالمخاطر مع إيران، لكن التوترات السياسية تتعايش مع العلاقات الاقتصادية العميقة، والتي أصبحت حيوية بشكل متزايد مع سعي القوى العالمية لإحياء اتفاقية عام 2015 التي فرضت قيوداً على أنشطة إيران النووية مقابل تخفيف العقوبات.

إحياء الاتفاق النووي الإيراني، من شأنه أن يثير مشاعر مختلطة في دول مجلس التعاون الخليجي، سلطنة عمان على علاقة ودية مع إيران، الإمارات أقرب إلى الوسط في الموقف الخليجي بين الموقف السعودي المتشدد ضد إيران وبين الموقف العماني الأكثر تساهلاً.

ترى الإمارات إيران كتهديد إقليمي، فلطالما نظرت الإمارات إلى الهيمنة الإقليمية الإيرانية على أنها واحدة من أكبر التهديدات لأمنها الوطني، كما أن أبوظبي قلقة بشكل خاص من احتمال وجود إيران مسلحة نووياً.

فلدى الإماراتيين نزاع إقليمي على ثلاث جزر في الخليج الفارسي، لكن لديهم أيضاً أقوى العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى وجود مجتمع كبير من المهاجرين الإيرانيين في دبي.

البلدان شريكان تجاريان كبيران: تستحوذ إيران على حوالي 3% من الصادرات السنوية لدولة الإمارات العربية المتحدة. هناك حديث عن مضاعفة التجارة الثنائية إلى 30 مليار دولار في عام 2025. وتوجد مليارات الدولارات من الأصول الإيرانية في البنوك الإماراتية.

ما الذي تستفيده الإمارات من توصيل نفط إيران للصين؟

على الرغم من العقوبات الأمريكية، كانت إيران تصدر ما يصل إلى مليون برميل من النفط يومياً، معظمها إلى الصين، ويتم شحن بعض هذا الزيت عبر دول ثالثة لإخفاء مصدره.

أصبحت الإمارات المتحدة جزءاً كبيراً من هذه التجارة: تقدر "البورصة والبازار"، وهي مؤسسة فكرية في لندن، أن ما قيمته 13 مليار دولار من الخام الإيراني وصل إلى الصين عبر الإمارات المتحدة في الأشهر التسعة الأولى من عام 2021، يتم إنفاق الكثير من أموال النفط هذه على البضائع المستوردة من الإمارات.

تزدحم الممرات البحرية بين مضيق هرمز وبين موانئ دبي والسعودية بالقوارب الصغيرة التي تحمل الديزل المهرَّب، من أجل نقله إلى السفن الأكبر حجماً بحسب ثاكور.

وفي بعض الأحيان يتم تخزين الديزل مؤقتاً داخل ميناء الشارقة الإماراتي، حيث يجري تزوير الوثائق ليبدو وكأن الوقود قادمٌ من العراق، حسبما يقول لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية فيكاش ثاكور، البحار الهندي صاحب الخبرة التي تمتد لعقدٍ من الزمن في هذا المجال.

بينما يقول أندي بومان، المدير الإقليمي للشرق الأوسط وجنوب آسيا في جمعية Mission to Seafarers الخيرية: ان "وجود تجارةٍ غير مشروعة تجري في هذه المنطقة هو سرٌّ يعلمه الجميع، لكنهم لا يتحدثون عنه، حيث تزدحم المياه من عجمان الإماراتية إلى إيران، وخاصةً في الليل، بسفنٍ تتحرك في أوقات غير معتادة دون أن تدخل الميناء. وتقوم تلك السفن بتفريغ حمولتها أو الاتصال بالسفن الأخرى أثناء رسوّها".

ويتوقع أن تصل التجارة بين إيران والإمارات إلى أعلى مستوى في الفترة المقبلة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الإيراني (21 مارس/آذار – 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021).

كانت الإمارات المصدر الأول لواردات إيران بقيمة 10.1 مليار دولار من البضائع، وفقاً للأرقام الرسمية الإيرانية، كما تعد الدولة الخليجية رابع أكبر وجهة للصادرات الإيرانية غير النفطية بقيمة 2.9 مليار دولار، حسبما ورد في تقرير لمركز كارنيغي الأمريكي.

اضف تعليق