يحذر خبراء وسياسيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، بأن العقوبات التي تستهدف الإنترنت في روسيا تثير المخاوف من أنها قد تأتي بنتيجة عكسيّة بعزلها المعارضين للحرب في أوكرانيا وإبعادها حلم الإنترنت العالمي.

واستجاب عمالقة التكنولوجيا والإنترنت من غوغل إلى سوني لدعوات الحكومة الأوكرانية إلى معاقبة روسيا فعلقت مبيعات بعض المنتجات والخدمات في هذا البلد.

وأرادت أوكرانيا المضي أبعد فطلبت من شركة الإنترنت للأرقام والأسماء المخصّصة "أيكان" Icann، المنظمة المتخصصة في توزيع وإدارة عناوين الإنترنت في العالم، أن تتخذ تدابير لقطع روسيا عن الإنترنت.

بعد بضعة أيام، ردت المنظمة هذا الطلب مؤكدة ضرورة الحفاظ على حيادها.

وردا على هذا الرفض، قام حوالى أربعين باحثا ومدافعا عن الحريات الرقمية ومسؤولا أوروبيا بنشر رسالة مفتوحة دعوا فيها إلى فرض عقوبات محددة الهدف على الجيش أو وكالات دعائية، معتبرين أن مثل هذه العقوبات "تقلل من مخاطر الأضرار الجانبية" إذ أن "العقوبات غير المتناسبة أو الأوسع مما ينبغي قد تثير عداء الشعوب".

كما دعا الموقعون على الرسالة إلى إنشاء "آلية متعددة الأطراف" تكلف تقييم العقوبات وفرضها من أجل منع الوصول إلى المواقع الإلكترونية العسكرية الروسية مثلا.

وفي مطلق الأحوال، فإن بناء جدار رقميّ حول روسيا أمر في غاية التعقيد سواء تقنيا أو سياسيا.

وأوضح رونان ديفيد المدير العام للشركة الناشئة "إيفيشنت آي بي" Efficient IP المتخصصة في أمن الشبكات المعلوماتية أن "البنى التحتية للشبكات سهلة الاختراق" مشيرا إلى أنه إذا ما قطع منفذ أمام حركة دخول على الإنترنت، فسوف تجد منافذ أخرى متاحة.

من جانبه شدد بيتر ميتشيك المدير القانوني لـ"أكسس ناو" Access Now المنظمة غير الحكومية الناشطة من أجل حقوق رقمية للجميع، على أن عزل روسيا عن الإنترنت "يأتي على ما يبدو بنتائج عكسية على صعيد جهود نشر الرسائل الديموقراطية وكسب القلوب والأذهان".

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا أمر الاتحاد الأوروبي بحظر محطتَي "آر تي" و"سبوتنيك" الروسيتين اللتين تسيطر عليهما موسكو، فأقصاهما من المشهد الإعلامي الأوروبي وشبكات التواصل الاجتماعي وصولا حتى إلى نتائج البحث على غوغل. وردت روسيا بحظر بث البي بي سي كما حظرت إنستغرام رغم أن العديد من المؤثرين والتجار الروس يعولون في نشاطهم على التطبيق.

ورأت ناتاليا كرابيفا الخبيرة القانونية لدى أكسس ناو أن المواطنين الروس قد يجدون هذه العقوبات "غير عادلة إطلاقا" من قبل الغرب، خصوصا وأنه استنادا إلى المعلومات الرسمية الروسية "قد يظن الناس أن روسيا تحاول مساعدة الأوكرانيين ولا تطلق النار سوى على أهداف عسكرية".

وقد تترسخ العزلة مع مرور الوقت وإيجاد بدائل يسهل على الحكومة السيطرة عليها بل حتى تبادر هي نفسها إلى طرحها.

وقال بيار بوني المدير العام لجمعية "أفنيك" Afnic لأسماء النطاق الفرنسية إن "الروس قادرون تماما على بناء شبكة إنترنت وطنية" لكنها "لن تمت بصلة إلى الإنترنت".

وتمتلك الصين شبكة إنترنت متمايزة في جزء كبير منها، فيما تطمح دول أخرى إلى هذا النموذج.

ولفت بيتر ميتشيك إلى أن "أيران قضت العقد المنصرم تبني شبكة معلومات وطنية كبديل قابل للحياة للإنترنت العالمي" معتبرا أن العقوبات تشجع على "تطوير هذا الإنترنت الوطني الذي يكون خاضعا أكثر للرقابة".

وأبدى أسفه لكون العديد من الشركات "التي لا تملك الوقت ولا القدرات لفهم التفاصيل القانونية" للعقوبات، تمضي بعيدا جدا وتنسحب بكل بساطة من البلد.

وقال إن "آبوورك Upwork، وهي إحدى المنصات التي نعول عليها لمساعدة المجتمع المدني ودعم النشطاء الديموقراطيين في روسيا، توقفت عن تقديم خدماتها محليا".

ويبقى من الممكن للروس المصممين على التواصل مع الخارج استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة التي حظر بعضها في السنوات الأخيرة في روسيا. وفي هذا السياق سجلت زيادة كبيرة في استخدامها بالمقارنة مع الفترة السابقة للغزو الروسي لأوكرنيا.

اضف تعليق