تحول سريع في علاقات الإمارات مع كل من تركيا وإيران جرى أخيراً نتج عنه تعاون اقتصادي كبير تشير بمجملها إلى سعي إماراتي للكسب الاقتصادي والتجاري، خاصة مع سعي الصين لإنشاء طريق الحرير.

ليس خافياً التوتر الكبير في العلاقات التركية الإماراتية الذي جرى منذ أعوام على خلفية قضايا عدة؛ على رأسها دعم تركيا لقطر، وملفات ليبيا وسوريا واليمن، والاتهامات المتبادلة بالتجسس، وإبرام أبوظبي اتفاق تطبيع مع “إسرائيل”.

وتراجعت حدة التوتر السياسي بشكل ملموس بعد المصالحة الخليجية التي أعلنت، مطلع العام الجاري، وأجرى الرئيس التركي وولي عهد أبوظبي اتصالاً هاتفياً، في 30 أغسطس الماضي.

وجاءت زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا، الأربعاء 24 نوفمبر 2021، لتؤكد ليس زوال الخلاف فقط، بل تأسيس مرحلة قوية من العلاقات المبنية على تعاون اقتصادي متين أثمرت عن استثمار الإمارات 10 مليارات دولار في تركيا، وذلك بعد توقيع 10 اتفاقيات ومذكرات تعاون أمنية واقتصادية وتكنولوجية.

الاستثمارات المربحة

يرى الكاتب والباحث في الشأن السياسي ياسر عبد العزيز، دخول الإمارات للاستثمار في تركيا بأنه نجاح في استغلال "فرصة متاحة" تتعلق بهبوط الليرة التركية.

في الوقت نفسه يعتبر عبد العزيز أن هذا الاستثمار مكسب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ مبيناً أن قرار تخفيض الفائدة الذي اتخذه كان معداً سلفاً "بعد أن تأكد من وجود مبالغ سيجري ضخها".

وتابع: "من المعلوم أن ما يظهر إلى العلن من قرارات هي نتاج لعمل شاق وكبير داخل الغرف المغلقة، وحين تأكد أردوغان من أن هناك استثمارات سوف تضخ في تركيا أكد تخفيض الفائدة للمساهمة في دخول الاستثمارات الإماراتية وغيرها من الاستثمارات قريباً".

وعليه يقول عبد العزيز إن زيارة طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن القومي الإماراتي، في أغسطس الماضي، إلى أنقرة، كان المستغرب فيها حديثه عن الاقتصاد.

صفحة جديدة مع إيران

الإمارات التي وقفت في الطرف المناهض لإيران منذ سنوات، بدأت صفحة جديدة من العلاقات مع إيران.

كبار مسؤولي الإمارات وإيران أجريا لقاءات واتصالات مؤخراً، وفق ما تفيد وسائل إعلام البلدين، آخرها إعلان مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، علي باقري كني، الاتفاق على فتح صفحة جديدة من العلاقات بين إيران والإمارات العربية المتحدة، وذلك في تغريدة لباقري على صفحته في "تويتر"، وهو ما أعلنته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام) أيضاً.

بدورها أفادت وكالة "مهر" الإيرانية، نقلاً عن محمد جواد هداياتي، مدير عام مكتب النقل العابر والشحن التابع لمنظمة الطرق والمواصلات، الخميس 25 نوفمبر 2021، قوله: "قبل نحو شهر، أجرينا تجربة عبور تجريبي من الإمارات إلى تركيا، ووصلت شاحنة من الإمارات إلى إيران على متن سفينة، وتوجّهت إلى تركيا من حدود بازركان، تم اختبار هذا المعبر بشاحنتين".

وأشار إلى أن "الإماراتيين أجروا هذا الاختبار لعبور الأراضي الإيرانية للتحقق مما إذا كان العبور عبر الأراضي الإيرانية اقتصادياً أم لا، خاصة أن الشحن البحري قد زاد مرتين إلى ثلاث مرات".

طريق الحرير

يعتبر "طريق الحرير" الذي تطلق عليه الصين مبادرة الحزام والطريق، محوراً مهماً للشراكة الخليجية الصينية، فالصين تتبنى خطة طموحة ضمن هذا الطريق الذي تبلغ مخصصاته الإجمالية تريليون دولار.

وتعتبر كل من إيران وتركيا من بين البلدان المحورية في هذا الطريق، وعليه يرى مراقبون أنه كان أبرز أسباب التحول الإماراتي في العلاقات مع دول بالمنطقة.

يرى الكاتب والباحث في الشأن السياسي ياسر عبد العزيز، أن التحول السريع في سياسة الإمارات كان له أسبابه، موضحاً أن أمريكا رأت أن هناك تحديات أكبر تتمثل في الصين تحديداً، خاصة مع مشروع طريق الحرير، كما يرى أن خطة بايدن ونظرته للشرق الأوسط دفعت الإمارات لكي تغير سياستها.

عبد العزيز تطرق إلى طريق الحرير الصيني الذي اعتبره أحد أسباب التحول في سياسة الإمارات، خاصة أن تركيا سيكون لها دور محوري فيه لنقل البضائع والطاقة، لا سيما بعد فتح قناة إسطنبول المائية التي تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأسود.

وبعد التحول في العلاقات يرى عبد العزيز أنه "بات بإمكان الإمارات أن تستثمر في أقوى وأهم المشاريع التركية، ومنها قناة إسطنبول".

ويتابع في هذا السياق: "تركيا التي أصبحت اسماً بارزاً في صناعة السلاح ستغذي واردات الإمارات من السلاح؛ حيث ترغب أبوظبي أيضاً الدخول في هذا السوق إلى جانب تركيا، حيث تؤدي الإمارات دوراً في ترويج وتسويق السلاح من خلال المعارض والشراكات الخاصة، ولذلك فإنها تسعى إلى أن يكون لها دور في سوق السلاح الذي بدأ يتوسع في الشرق الوسط، وإن كان عن طريق الشراكة إن لم يكن من خلال التصنيع".

وعلى الرغم من وجود رابحين من هذه الصفقات لكن هناك خاسرون أيضاً، وأبرزهم مصر، سواء كان من طريق الحرير أو من خط نقل الطاقة والبضائع الإماراتي الإيراني، يقول عبد العزيز، الذي يعتقد أن هذه الصفقات ستقضي على مميزات مهمة لقناة السويس.

ووفق هذا التغيير يرى عبد العزيز أن "مصر ستتحول في علاقتها مع أنقرة بشكل كبير خلال الفترة القادمة، وسيتم الجلوس مرة أخرى لتنسيق الأوراق وترتيبها"، مؤكداً أن "ما يدوم هي المصالح وليست العداوات"، لافتاً إلى كلمة الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي المشهورة: "سامح أعداءك لكن لا تنسَ أبداً أسماءهم".

اضف تعليق