مينسك تخلق أزمة هجرة على حدودها لتقويض استقرار جيرانها في الاتحاد الأوروبي، حسب ما يخلص إليه تقرير أعدَّه كل من إيمي ماكينون وروبي جرامر لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.

يشير الكاتبان في مطلع تقريرهما إلى أن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو قد حوَّل الهجرة إلى سلاح، الأمر الذي أوقع الآلاف من طالبي اللجوء والمهاجرين من دول شرق أوسطية في أتون مواجهة جيوسياسية متعددة المستويات مع دول الجوار مثل بولندا وليتوانيا ولاتفيا.

وأوضح التقرير أنه مع تصاعد التوترات بين بيلاروسيا والغرب في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي وصفها بالمزوَّرة في العام الماضي والحملة القمعية ضد الاحتجاجات، سعى لوكاشينكو إلى استغلال نقاط الضعف التي أوجدتها التوترات الداخلية التي لم تُحل في الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة وتزايد تحدي بولندا لبروكسل، وذلك من خلال شحن المهاجرين المحتملين ثم تكديسهم في اتجاه حدود جيرانه الأوروبيين.

ويُعتقد أن ما لا يقل عن ألفي شخص عالقون على الحدود وسط دفع قوات حرس الحدود البيلاروسية المهاجرين باتجاه الاتحاد الأوروبي بينما يحاول نظراؤهم البولنديون صدهم. ويقدر حرس الحدود البولنديون أن 30 ألف شخص حاولوا عبور الحدود منذ أغسطس (آب)، ومن المرجح أن تتفاقم الأزمة مع حلول فصل الشتاء، وفقًا لعديد من المسؤولين في أوروبا الشرقية. وقال أحد المسؤولين إن حكومات بولندا ودول البلطيق تتوقع أن تبدأ بيلاروسيا في تشغيل بين 40 و55 رحلة جوية مباشرة أسبوعيًّا من دول الشرق الأوسط إلى مينسك، عاصمة بيلاروسيا، الأمر الذي قد يجلب الآلاف من المهاجرين الجدد الذين يحملون وعودًا زائفة بالمرور بسهولة إلى الاتحاد الأوروبي.

ونقلت المجلة عن إليزابيث براو، الزميلة البارزة في معهد أمريكان إنتربرايز، قولها: إنه "من الواضح أن جزءًا من إستراتيجية بيلاروسيا يتمثل في خلق مزيد من التنافر بين بولندا وبروكسل". وبولندا، شأنها شأن المجر، على خلاف مع بروكسل حول سيادة القانون داخل الكتلة الأوروبية، ويستخدم لوكاشينكو أزمة الحدود سعيًا لزيادة تلك التوترات.

الرد الأوروبي

ولفت الكاتبان إلى أن الزعماء الأوروبيين وجهوا انتقادات حادة للرئيس لوكاشينكو، فقد وصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إستراتيجيته بأنها "شكل من أشكال الاتجار بالبشر". وفي بيان يوم الاثنين، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إنها تحدثت مع زعماء بولندا وليتوانيا ولاتفيا للتعبير عن تضامن الاتحاد الأوروبي ومناقشة التدابير الرامية إلى معالجة الأزمة.

وأضافت أيضًا أن اثنين من كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، نائب رئيس المفوضية الأوروبية مارجريتيس شيناس ومنسق الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، سيسافران إلى بعض بلدان المهاجرين الأصلية "للتأكد من أنهم يعملون على حماية مواطنيهم من الوقوع في الفخ الذي نصبته السلطات البيلاروسية". وقال الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، إنه يجري محادثات مع 13 دولة من أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأوروبا، والتي يمكن أن تكون بمثابة مصادر محتملة لمزيد من المهاجرين.

وقال دانييل فرايد، السفير الأمريكي السابق في بولندا، إنه: "حتى الآن، كان رد الفعل الأوروبي قويًّا، وقد أعربوا عن تضامنهم مع بولندا".

لكن بولندا، التي يحكمها حزب القانون والعدالة القومي، والتي تبنَّت موقفًا صارمًا مناهضًا للهجرة، تصدَّت بشدة للجهود البيلاروسية واسْتخفَّت بالتعاون مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي. وأثار ذلك حالة من الإحباط بين مسؤولي الاتحاد الأوروبي والجماعات المعنية بالشؤون الإنسانية. وفي سبتمبر (أيلول)، بعد وفاة أربعة أشخاص على الحدود البولندية، أدانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين السياسة البولندية المتمثلة في إعادة المهاجرين عبر الحدود وطالبت بالوصول إلى الموقع لتوفير الرعاية الطبية والغذاء والمأوى للمهاجرين.

وقالت المنظمة في بيان مشترك مع المنظمة الدولية للهجرة إن "عمليات صد المهاجرين تُعرِّض أرواحهم للخطر، وهي غير قانونية بموجب القانون الدولي".

وقال سعيد جواد، السفير الأفغاني لدى روسيا، الذي لا يزال في منصبه على الرغم من إطاحة طالبان الحكومة الأفغانية السابقة، في مقابلة إنه قلق بشأن سلامة الأفغان الذين يتدفقون على الحدود البيلاروسية. مضيفًا: "نتلقى مكالمات من أشخاص يعانون من البرد ويتضورون جوعًا ويحتاجون إلى المساعدة"، مضيفًا أن سفارته تنسق تسليم الملابس والمؤن إلى الأفغان العالقين في بيلاروسيا. ولا يزال العدد الدقيق للأفغان هناك غير واضح.

وأضاف: "لقد أرسلنا خطابًا إلى الحكومة البيلاروسية نطلب منهم النظر في حقوق الإنسان الأساسية لهؤلاء الأشخاص وعدم دفعهم إلى بولندا إذا لم يكن هناك سبيل لهم لعبور الحدود".

موقف بولندا

وأضاف كاتبا التقرير أن بولندا نشرت 15 ألفًا من قوات حرس الحدود والقوات البولندية في المنطقة الحدودية، لكن وارسو لم تطلب المساعدة بعد من الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل، فرونتكس. ولم ترد الوكالة على طلب للتعليق على هذه القصة.

وأثار لوكاشينكو غضبًا خاصًا في بولندا وليتوانيا، اللتين أصبحتا مركزَيْن للمعارضين والصحفيين البيلاروسيين الذين أُجبِروا على الخروج إلى المنفى في أعقاب الحملة القمعية العام الماضي. وقد اتخذت زعيمة المعارضة البيلاروسية سفيتلانا تيخانوفسكايا من العاصمة الليتوانية فيلنيوس قاعدة لها.

وفي سبتمبر، أعلنت الحكومة البولندية حالة الطوارئ في منطقتين على الحدود مع بيلاروسيا، وهو أول إعلان من نوعه في بولندا منذ فرض الأحكام العرفية في عام 1981. ولوقت طويل، استمر تدفق المهاجرين، مما أدَّى إلى مواجهات دراماتيكية بين المهاجرين الذين يحاولون عبور الحدود وحرس الحدود البولنديين الذي يرتدون معدات مكافحة الشغب ويستخدمونها في مواجهة المهاجرين. وذكر عدد من المسؤولين الأوروبيين أن أجهزة الأمن البيلاروسية وجَّهت بنادقها إلى حرس الحدود البولنديين وأطلقت الرصاص الفارغ عليهم، مما زاد من حدِّة التوترات على الحدود.

ولم ترد السفارَتان البيلاروسية والبولندية في واشنطن على طلب للتعليق. ولم ترد كذلك وزارة الخارجية الأمريكية على طلب للتعليق أو على طلب لمقابلة جولي فيشر، مبعوثة الولايات المتحدة إلى بيلاروسيا.

وقال السيناتور الجمهوري روجر ويكر، المؤسس المشارك لتجمع بيلاروسيا الحرة في مجلس الشيوخ، إن: "سلوك الديكتاتورية البيلاروسية في هذه الأزمة لا يقل عن كونه أمرًا مخزيًا وينبغي مواجهته برد فعل قوي من الولايات المتحدة وأصدقائنا الأوروبيين". ويوم الثلاثاء، ذكرت وكالة رويترز أن الاتحاد الأوروبي يقترب من الإعلان عن جولة أخرى من العقوبات على 30 من الأفراد والكيانات البيلاروسية المرتبطة بالأزمة، بما في ذلك وزير الخارجية البيلاروسي فلاديمير ماكي وشركة الطيران الوطنية بيلافيا.

استثمار الأزمة

ونوَّه التقرير إلى أن الأزمة تصاعدت في خضم مواجهة بين بروكسل ووارسو بعد تصويت المحكمة العليا في بولندا الشهر الماضي على رفض سيادة قوانين الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يضرب أحد المبادئ الحاكمة الرئيسة للكتلة الأوروبية وتغذية المخاوف بشأن خروج بولندا من الاتحاد.

والواقع أن الساسة المنتمين إلى حزب القانون والعدالة القومي الحاكم في بولندا، والذين تراجعت شعبيتهم في الأشهر الأخيرة، استثمروا الأزمة لمهاجمة منافسيهم السياسيين المحليين.

وغرَّدت كريستينا باولوفيتش، وهي قاضية في إحدى المحاكم العليا في بولندا، يوم الاثنين الماضي قائلة إن المعارضة يتعين عليها أن تعتذر صاغرة بسبب دعمها المزعوم لهجوم على حدود بولندا. وكان الناخبون البولنديون حذرين منذ أمد بعيد تجاه الهجرة، على الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع المواقف تراجعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة.

وأبرزت المواجهة على الحدود التحدي الذي تواجهه أوروبا وحلف شمال الأطلسي في الاستجابة لمجموعة متزايدة من التكتيكات غير المتكافئة التي تستخدمها مينسك وموسكو وحكومات أخرى لزعزعة استقرار الدول الغربية وملاحقة منتقديها في الخارج، بحسب تعبير التقرير.

وقالت إليزابيث براو: "كل هذه الأشياء تضعف بلادنا، لكن لا يمكننا أن نفعل الشيء نفسه مرة أخرى". وبحسب التقرير، كان لوكاشينكو فجًّا للغاية، عندما أجبر طائرة ركاب تابعة لشركة ريان إير في مايو (آيار) لاعتقال صحفي معارض، وفي محاولته اختطاف رياضي بيلاروسي من أولمبياد طوكيو، والآن من خلال تأجيج أزمة على حدود بلاده مع الاتحاد الأوروبي.

وقال فراناك فياكوركا، كبير مستشاري زعيم المعارضة البيلاروسية تيكانوفسكايا: "آمل أن يهدأ أولئك الذين كانوا يعتقدون أن بالإمكان إعادة تعليم لوكاشينكو. إنه لن يتعلم، ولن يكون كذلك أبدًا". وأضاف: "ومن الأهمية بمكان أن تفهم بولندا، وليتوانيا أيضًا، أن أزمة المهاجرين جزء من أزمة سياسية أوسع".

المصدر: ساسة بوست

اضف تعليق