وصلت أول دفعة من عائلات ارهابيي تنظيم داعش العراقيين إلى الموصل قادمين من مخيم الهول السوري وسط رفض لإعادة هذه العائلات وتحذير من المساهمة في هيكلة التنظيم مرة أخرى.

كان سمير العيسى (30 عاما) يقف مذهولا إلى جانب الطريق عندما شقت 10 حافلات يستقلها أفراد عائلات مقاتلي "داعش" الإرهابي طريقها في ناحية القيارة جنوبي محافظة نينوى، وصولا إلى مخيم الجدعة، قادمة من مخيم الهول شمال شرقي سوريا، الشهر الماضي.

أعاد هذا المشهد إلى ذاكرة العيسى الفظائع التي ارتكبها "داعش" من أعمال الترهيب وقطع الرؤوس والإعدامات في الساحات العامة والقتل الجماعي بحق المناوئين له من المدنيين وأفراد الأمن، بينهم شقيقه الأصغر طارق الذي كان شرطيا.

ولا يخطر على بال العيسى، أن ينسى يوما فظائع التنظيم أو يسامح المسؤولين عنها، بما في ذلك أفراد عائلاتهم، التي يقول إنها تحمل "الأفكار السوداوية" ذاتها.

يقول العيسى في اتصال هاتفي مع مراسل الأناضول: "من الصعب أن يغفر ذوو الضحايا للجناة وعائلاتهم، وهو ما قد يفتح الباب أمام أعمال انتقام ونزاع دموي جديد في العراق".

ووصلت أول دفعة من عائلات مقاتلي "داعش" العراقيين في 25 مايو/ أيار الماضي بواقع 94 عائلة مكونة من 381 فردا، جرى توطينهم في مخيم الجدعة بناحية القيارة.

وستصل دفعات أخرى تباعا من دون إعلان جدول زمني مسبق، إذ تخطط بغداد لإعادة تأهيلهم فكريا قبل الزج بهم في مجتمعاتهم الأصلية.

من جهته يقول عضو البرلمان عبد الهادي موحان، للأناضول، إن "إعادة عائلات مقاتلي داعش خطوة خاطئة اتخذتها الحكومة".

ويرى أن هذه الخطوة "من شأنها المساهمة في إعادة هيكلة التنظيم مرة أخرى، ما قد يشكل تهديدا أمنيا كبيرا مجددا على العراق".

وفيما إذا كان البرلمان سيتخذ قرارا بهذا الشأن، يجيب موحان بأن "مجلس النواب (البرلمان) عاجز عن عقد أي جلسة حاليا، وبالتالي سيكون من الصعب الخروج بموقف محدد وموحد تجاه خطوة الحكومة العراقية، وذلك لانشغال النواب بالتحضير للانتخابات المقبلة".

وكان هؤلاء العائدون قد نزحوا إلى سوريا مع من تبقى من مقاتلي التنظيم عندما استعاد العراق كامل أراضيه من قبضة "داعش" عام 2017، إثر حرب عنيفة استمرت ثلاث سنوات.

وعندما خسر التنظيم آخر معاقله في سوريا عام 2019، ألقي القبض على مقاتليه وأودعوا في السجون، بينما جرى توطين عائلاتهم من النساء والأطفال في مخيم الهول.

ووفق تقديرات الأمم المتحدة، فإن 60 ألف فرد يقطنون في المخيم، نصفهم من العراقيين، ستعيدهم بغداد إلى البلاد على دفعات.

يقول عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي، إن "التعامل مع ملف عائلات داعش يجب أن يكون بحذر ومسؤولية، على اعتبار أن أفرادها يحملون فكر التنظيم".

ويضيف البياتي، في حديثه للأناضول، أن "العراق لا يمكنه التعامل بمفرده مع هذا الملف، وعلى المجتمع الدولي مساعدته في هذا الشأن".

ويرى أن الغموض يكتنف ملف إعادة هؤلاء، موضحاً: "حتى الآن، لا نعلم من الذي يدير الملف على مستوى الدولة العراقية، ومن المسؤول عن إعادتهم وتقديم الدعم لهم وبرنامج إعادة التأهيل لهم، وفيما إذا كانت هذه الجهة قادرة على إدارة الملف".

ويتابع: "يجب عزل المخيم، ووضع خطة أمنية محكمة لمنع زج أفراد هذه العائلات في المجتمع، كون أغلب الأطفال يحملون فكر التنظيم، ما قد يشكل خطراً على المجتمع العراقي".

يعتقد الخبير الأمني مؤيد الجحيشي، أن "إعادة عائلات مقاتلي داعش خطوة غير مدروسة"، مبيناً أن "هكذا خطوات يجب أن تضع لها مجموعة من الخطط الطويلة الأمد، تحسباً لأي طارئ".

ويقول الجحيشي، وهو رئيس المعهد العراقي للفيدرالية ومقره بغداد، للأناضول، إن "السلطات لا تستطيع فرز العناصر المنتمية إلى التنظيم من سواهم، وقد يكون لذلك عواقب لسنوات طويلة مقبلة".

ويرى أن "أغلب أطفال العائلات المنتمية إلى داعش هم التحدي الأكبر أمام الحكومة العراقية"، واصفاً إياهم بـ "القنبلة الموقوتة، إذ سيشكلون خطراً أمنياً في السنوات القليلة المقبلة".

ويعتبر أن "العراق غير قادر على إدارة هذا الملف، وهذا هو السبب الرئيس الذي يدعو إلى القلق، خصوصا أن الحكومة لم تجرِ أي تحضيرات حقيقية قبيل الموافقة على إدخالهم إلى البلاد".

وبحسب الجحيشي، لن يكون أطفال مقاتلي "داعش" خطرا أمنياً فحسب، بل "قد يشكلون القاعدة الأساسية لظهور جيل جديد من التنظيم عبر تجنيد آخرين في مجتمعاتهم".

وأمام هذا الوضع غير المستقر في البلاد، قد لا يجد "داعش" صعوبة في إعادة ترتيب أوراقه، لتجنيد جيل جديد من المقاتلين.

المصدر: وكالة الأناضول التركية

اضف تعليق