لم يكن أقرب المطلعين على الشأن السياسي الاجتماعي في السعودية يتوقعون انبعاث انتفاضة جديدة في محافظة القطيف ذات الأغلبية الشيعية والتي تُعتبر مركز الإقتصاد العالمي، وبالرغم من ذلك فإنها تعيش الحرمان والفقر المذقع مما عكس حالة من عدم الرضا عن سياسات ومواقف السلطات.

في مطلع العام 2011 خرج عشرات الآلاف رافعين شعارات سياسية مطلبية وعلى رأسها الإفراج عن 9 سجناء عرفوا ب”المنسيون” واتهمتهم سلطات الرياض بتفجير مقر المارينز الأمريكي بأبراج الخبر العام 1997 والذين مضى عليهم حتى اليوم ما يقارب 22 عام دون محاكمة. مع الأخذ بعين الإعتبار أن زعيم تنظيم القاعدة تبنى العملية عبر تسجيل اقر فيه مسؤولية تنظيم القاعدة عن التفجير. ومع توفر أدلة وحقائق تؤكد براءة “السجناء المنسيون” إلا أن السلطات لم تستجب لنداءات المتظاهرين ومطالبهم.

وساهمت أحداث الربيع التي شملت كثير من الدول العربية في رفع وتيرة التمرد والاعتراض السياسي.

أبرز تلك الأصوات المنددة بالاستبداد والديكتاورية والظلم وغياب العدالة، كان الشهيد الشيخ النمر رضوان الله تعالى عليه الذي تصدى بكل جرأة وشجاعة لرفض قمع السلطات للشعب ولم يرضخ لكل تهديداتها ووعيدها.

وقال المعارض القطيفي فؤاد ابراهيم ان "سلسلة التدابير الأمنية التي فرضتها السلطة في المنطقة الشرقية تُبطن هلع آل سعود على المصير". مبينا "وقد لحظنا ذلك أول مرة في 11 مارس 2011، حين أعلن عن يوم انطلاق الربيع العربي، ففرضت السلطة حظر تجوّل غير مُعلن، فحلّقت الطائرات لمراقبة الأجواء في المدن الكبرى مثل جدة والرياض، وسيّرت العربات المحمّلة بالجنود، إلى جانب توزيع مليون نسخة من فتوى تحريم المظاهرات في المساجد الرئيسية في الرياض ومكة والمدينة وجدّة والدمام والخبر وغيرها".

واضاف "مفهوم الأمن لدى النظام السعودي يقتصر على أمن السلطة وليس أمن المجتمع، ودليل ذلك واضح في الاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين، وإطلاق الرصاص العشوائي في الأحياء السكنيّة وضد الناشطين العزّل".

 

واشار ابراهيم الى انه "لا تتردد السلطات السعودية في استخدام أقصى ما لديها من قوة ضد أي مكوّن سكاني ترى فيه مصدراً يهدد وجودها، وكل مَنْ يطالب بحقوقه تنظر إليه على هذا النحو. في المقابل، إن سياسة الحرمان والقمع الممنهج والتي تجري على نطاق واسع ضد الشيعة، ومكوّنات أخرى في البلاد، تُملي مسؤولية فردية وجماعية للتصدي لسياسة القمع بالوسائل المشروعة، إذ لا نتوقّع حلولاً مجانية من السلطة".

وتواصل السلطات السعودية حملتها العسكرية على حي المسورة لليوم الثالث على التوالي، إذ عمدت الى القاء قذائف الآربي جي والقنابل الحارقة على منازل المدنيين، كما استهدفت بالرصاص الحي سيارة أحد المواطنين وسط أنباء عن استشهاده.

شهود عيان أشاروا إلى تصاعد أعمدة الدخان من منازل المواطنين، فيما عمدت قوات الأمن بمساندة من فرق الجيش والحرس الوطني وقوات المهمات الخاصة الى استقدام جدران أسمنتية بهدف محاصرة البلدة.

وقد أدى الهجوم إلى شلّ الحركة في المسورة فيما أغلقت المستوصفات والمدارس أبوابها.

وفي ظل الاجتياح والحصار والعدوان الذي تتعرض له بلدة العوامية، ألغت بلدات ومدن القطيف مظاهر الاحتفال بذكرى ولادة الإمام المهدي المنتظر "عج"، واستبدلتها ببرامج دينية عبادية.

مكتب الشيخ عبد الكريم آل حبيل، وموكب الشهداء في بلدة الربيعيه، أعلنا اعتذارهما عن إقامة الاحتفال الجمعة، فيما أعلنا عن الابقاء على البرنامج العبادي والدعاء لفرج المؤمنين والمؤمنات في العواميه.

من جهتها، أعلنت لجنة الكوثر للاحتفالات الدينية في بلدة القديح اعتذارها أيضاً عن إقامة احتفالها هذه الليلة، مبقية على البرنامج العبادي.

وتعليقا على التطورات، أكدت "المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان"، أن السلطة السعودية تقود عملية عسكرية في العوامية وترهب عشرات آلاف المدنيين وتخالف مطلب الأمم المتحدة بهدم حي المسورة التراثي.

المنظمة أشارت الى أن المداهمة الحالية تأتي في سياق مداهمات متزايدة، لافتة الى أن السعودية توظف مصطلح مكافحة الإرهاب بشكل يخالف المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، لتغطية الانتهاكات الجسيمة التي تقوم بها تجاه المطلوبين والمواطنين بشكل عام.

وأكدت أن معالجات السلطة السعودية الأمنية التي تخالف القانون الدولي، تزيد من حدة الانتهاكات والخسائر البشرية والمادية، في ظل عدم وجود أي إمكانية لمقاضاة المتسببين بهذه الانتهاكات في الداخل، وفي ظل سياسة إفلات من العقاب، وحماية العناصر الأمنية، التي تنتهجها وزارة الداخلية.

من جهته، أكد رئيس المنظمة الأوربية لحقوق الإنسان الناشط "علي الدبيسي"، أنه لا يوجد تبرير في القوانين العادلة لترهيب السعودية لـ 30 ألف نسمة بالعوامية بحجة الإرهاب.

وبدوره، ‏رأى الباحث السياسي والكاتب في الشؤون السعودية الدكتور فؤاد إبراهيم، إن النظام السعودي يقوم بعملية عزل تام لمدينة العوامية عن بقية البلدات في نيّة واضحة لارتكاب جريمة كبرى، مؤكداً أنه لابد من التحرّك وإيصال الصوت لكل العالم وأردف متسائلا في أي شريعة تكون استباحة مدينة كاملة ذات 30 ألف نسمة بدعوى ملاحقة مطلوبين وفي أي شريعة يصبح إطلاق الرصاص والقنابل عشوائيا مباحا داخل المدينة.

إلى ذلك علق الكاتب السعودي علي الغراش، بأن العوامية بحاجة إلى إرادة الحوار بعيدا عن لغة الرصاص والعنف والقتل  والتدمير.

واحكمت السلطات السعودية تطويق بلدة العوامية بجدار عازل من الخرسانة المسلحة وأعلنها منطقة عمليات عسكرية مغلقة.

وتناقلت وسائل اعلام محلية أنباء عن دوي انفجارات متعاقبة طالت أحياء سكنية في البلدة خلال الساعات الاولى للهجوم.

ودفعت السلطات السعودية بفرق راجلة من الحرس الوطني والمهمات الخاصة لتمشيط الأحياء السكنية في بلدة العوامية تحت غطاء ناري كثيف.

فيما اطلقت مدرعات القوات السعودية النار باتجاه سائق سيارة "كامري ذهبي اللون" وسط بلدة العوامية المحاصرة, وتعمد إلى الاصطدام بها وجرفها نحو 600متر, ونقلت أنباء غير مؤكدة عن استشهاد السائق.

وقصفت القوات السعودية بقنابل الـRBG l مسجد "الشيخ محمد" وسط حي المسورة ببلدة العوامية المحاصرة لليوم الثالث على التوالي. انتهى/خ.

اضف تعليق