ينتخب الحزب الديمقراطي الأمريكي رئيسا جديدا له، في انتخابات داخلية أحد أبرز المرشحين للمنصب فيها النائب كيث إليسون؛ عضو الكونغرس يمثل حالة استثنائية داخل الحزب، فهو تقدمي وأسود ومسلم، وسيكون في حال انتخابه أول أمريكي مسلم يرأس الحزب في التاريخ.

 

فبعد الهزيمة المدوية لمرشحته هيلاري كلينتون، في الانتخابات الرئاسية، يعيش الحزب الديمقراطي الأمريكي مخاض الولادة مجددا من رحم تناقضاته وصراعاته الداخلية التي بدت جلية خلال الانتخابات التمهيدية ما بين تيارين يلتقيان في المرجعيات ويختلفان في المواقف من قضايا عديدة.

 

ولادة زعيم

 

خلال مواجهة تلفزيونية على القناة الأمريكية "سي إن إن" جمعت المرشحين الثمانية لمنصب رئيس الحزب، طفت على السطح جراح الانتخابات التمهيدية للرئاسة، التي "همش فيها مساندو بيرني ساندرز" على حد وصف أحد المرشحين، وهو سام رونان. لكن المناظرة التلفزيونية أظهرت أيضا قدرة كيث إليسون، المحامي وعضو الكونغرس عن ولاية مينيسوتا، على الاختلاف. فالرجل كال نقدا لاذعا للرئيس دونالد ترامب، وقال إنه خرق الدستور بأكثر من قرار ويجب المطالبة بتنحيته، ولم يسلم قادة الحزب الديمقراطي والخط السياسي لهيئته السياسية من انتقاداته.

 

كيث إليسون، الذي كان أول مسلم، ينتخب عضوا في مجلس النواب الأمريكي (2006)، يعتبر نجما صاعدا في أوساط الحزب الديمقراطي، فقد حصل على دعم كبير من قواعد الحزب، ودشن مساره السياسي منذ بدئه، بمواقف خارجة عن المتعارف عليه لدى السياسيين الأمريكيين، كمطالبته بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق، وبمنح المواطنة للمهاجرين غير النظاميين (غير الشرعيين)، وانتقاده للمؤسسات المالية الكبرى.

 

ويعد إليسون بأن يشكل معادلة أساسية خلال "اللقاء الشتوي" للحزب الذي ينعقد في أتلانتا. لقاء لإعادة رص الصفوف، كما تحاول قيادة الديمقراطيين الترويج له، لكنه في الآن ذاته قد يكون اللقاء الذي سيعيد الاعتبار للمشروع الذي مثله بيرني ساندرز خلال الانتخابات التمهيدية. وأيا تكن نتائج التصويت على رئيس الحزب الجديد، فإنه يظهر أن المواقف التي أبداها ساندرز، هي صوت لتيار قائم بذاته ويجد شعبية متصاعدة داخل صفوف الديمقراطيين.

 

ولم يتررد ساندرز في إعلان دعمه الرسمي لإليسون في انتخابات رئاسة الحزب الذي يجب أن يعيد "النظر إلى نفسه في المرآة" ويمثل جميع الأمريكيين على حد تعبير ساندرز، وذلك من خلال "استعادة ثقة ناخبيه من العمال". لربما لهذا تبدو الدعوة إلى التصويت لإليسون مصالحة للحزب مع قواعده وفق ساندرز. إليسون حصل أيضا على دعم عدة وجوه تعتبر تقدمية داخل الحزب الديمقراطي، من ضمنها النائبة إليزابيث وارين الشهيرة بسجالاتها مع الجمهوريين داخل مجلس النواب الأمريكي، وعمدة مدينة نيويورك بيل دوبلازيو.

 

إليسون، الذي اعتنق الإسلام في سن 19 عاما، لا يقدم نفسه كمرشح لطائفة بعينها (السود أو المسلمون) لكن كمرشح يرغب في الدفع بالحزب الديمقراطي لكي يصير "منظمة تجمعنا وتضع مشروعا يحسن حياة الناس"، كما أكد في إعلان ترشيحه. القائد السابق في الحركة الطلابية المناهضة للعنصرية، الذي اعتمد منذ شبابه على النضال السلمي داخل الجامعة وخارج أسوارها، يقدم أطروحات جديدة داخل الحزب، أو يحيي أخرى كانت قد تراجعت مثل "التضامن" وخدمة المهمشين، ويعد بحزب "تقدمي"، وهي المفاهيم التي طورها أكثر وعبر عنها في كتاب "بلدي: الإيمان، العائلة، مستقبلنا" الذي أصدره في العام 2014.

 

لكن اختلافه الذي يشكل نقطة قوته يشكل نقطة ضعف أيضا، في مجتمع يشهد انقساما في المواقف وفي تصوره لذاته الجمعية. مجتمع لم يتردد جزء كبير منه في التصويت لصالح البرنامج المتشدد الذي قدمه دونالد ترامب. فعقيدة إليسون الدينية، دفعت إلى انتقاده أكثر من مرة، والتشكيك في وطنيته. بينما اتهم بمعاداة السامية لأنه دافع أمام القاضي في التسعينيات من القرن الماضي، عن لويس فرح خان، زعيم تنظيم "أمة الإسلام". لكن إليسون، ينفي عن نفسه هذه التهمة، وأعلن أكثر من مرة أنه مع حل الدولتين لإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، كما يصوت داخل مجلس النواب لصالح معونات لإسرائيل.

 

"شبح" دونالد ترامب

 

لم يخسر حزب الديمقراطيين خلال الانتخابات الأخيرة البيت الأبيض فقط، بل عدة مجالس محلية ومدنا بأكملها كانت وفية للحزب تقليديا. أمر يمثل نكوصا في موقع الحزب داخل الخارطة الانتخابية والمشهد الاجتماعي الأمريكي. لكن ما يعمق أكثر من أزمة الديمقراطيين هو الجو المحيط، فانتخاب رئيس جديد للحزب الديمقراطي، لن يتم بمعزل عما يعيشه المشهد السياسي الأمريكي من تحولات في زمن دونالد ترامب.

 

انتصار خطاب ترامب المتشدد، داخل البيت الجمهوري أولا وفي اختبار الانتخابات الرئاسية لاحقا، هز بيت الديمقراطيين، ولربما هذا ما دفع إلى بروز نجم كيث إليسون والتيار الراغب في القطيعة مع التوجهات الليبرالية المرتبطة بالمانحين الكبار بدل الناخبين داخل الحزب، لم يتردد إليسون في انتقاد هذا "الارتباط بالمانحين بدل الناخبين"مشيرا إلى هيلاري كلينتون، لكنه في الآن ذاته، يلتزم بالمبادئ العامة للحزب.

 

دونالد ترامب، الذي يخيم شبحه على النقاش بين المرشحين لرئاسة الحزب الديمقراطي، لم يتردد في نشر تغريدة على تويتر يشير فيها إلى أن إليسون تنبأ بفوزه في الانتخابات الرئاسية. نبوءة، لم تكن رسالة حب إلى ترامب، بقدر ما كانت توجسا، من الانقسام الذي يعيشه المجتمع الأمريكي.

 

إليسون يعلم أن وصوله إلى رئاسة الحزب، قد تمنحه شرعية أكبر، للتقدم بعد أربعة سنوات إلى الانتخابات التمهيدية لحزبه والترشح ضد ترامب في حال ما إذا ترشح هذا الأخير مجددا. ويعرف أن انتماءاته "العرقية" والدينية و"السياسية" هي وجه اختلافه وتميزه، لكنها قد تكون حجر عثرة أمامه. فبقدر ما ستهديه من الأنصار في مستقبله السياسي، بقدر ما ستفرش على طريقه ألغام الخصوم الذين سيرغبون في إنهاء حياته السياسية. انتهى /خ.

اضف تعليق