أكدت مجلة بريطانية معروفة عالمياً، اليوم الأربعاء، أن رئيس الحكومة، حيدر العبادي، يواجه تحديات سياسة بالتزامن مع معركة تحرير الموصل التي قد تستغرق أطول من الموعد المحدد لها، وفي حين بينت أن العبادي حقق برغم ذلك "إنجازات" عدة، وأن البلد يشهد بروز تحالفات "غير اعتيادية عابرة للطائفية" لتجاوز الواقع الحالي، عدت أن العراق ما يزال برغم "اخفاقاته" كلها "أكثر البلدان ديمقراطية" بالوطن العربي، ما قد يقنع غالبية العراقيين بأن لهم "مستقبلاً مشتركاً" فيه.

وقالت مجلة الايكونومست البريطانية، في تقرير لها اليوم، تابعته (المدى برس)، إن "القادة العراقيين قالوا في بادئ الأمر، إن معركة الموصل ستحسم بحلول أعياد السنة الميلادية الجديدة 2017، في حين يتوقع العبادي، أن تستمر ثلاثة أشهر أخرى"، مشيرة إلى أن "العبادي بدأ المرحلة الثانية من معركة تحرير الموصل، بإسناد مزيد من قوات العمليات الخاصة الأميركية، مستحوذا على المنطقة الصناعية من المدينة، حيث تحقق بعض التقدم فيها".

واضافت المجلة أن "ما تسيطر عليه القوات العراقية خلال النهار غالباً ما يتم استرجاعه من قبل مسلحي داعش بحلول الظلام، حيث تساعدهم في ذلك شبكة الانفاق التي حفروها تحت الخطوط الأمامية في المنطقة".

وبينت المجلة، أن "داعش ما يزال مستمر باسلوبه الوحشي وتنفيذ الهجمات الانتحارية في المناطق الشيعية من بغداد والمحافظات الجنوبية"، مبينة أن "التنظيم بدأ باستعراض عضلاته في الأنبار وصلاح الدين، بعد مدة طويلة على تحرير المنطقتين، حيث سيطر في الثاني من كانون الثاني 2017 الحالي، على مركز للشرطة في سامراء، لعدة ساعات، وتمكن من قطع طريق بغداد الموصل، لمدة وجيزة، وقطع التيار الكهربائي عن ديالى".

ونقلت الايكونومست، عن احد المحللين قوله، إن "داعش ليس بالمنظمة التي توشك على الانهيار ."

وأوضحت المجلة، أن "الحملة العسكرية المطولة تحمل بطياتها تحديات وكلف سياسية يواجهها العبادي الذي سعى منذ البداية لأن يخرج نفسه من قالب المسؤول الإداري المتردد إلى وضع القائد المنتصر ذو المسؤوليات العسكرية المضنية، في حين يتربص له المنافسين في بغداد فرصة وقوعه في مشكلة طارئة لكي ينقضوا عليه"، لافتة إلى أن من بين أولئك "المنافسين سلفه نوري المالكي، وكذلك الجماعات المسلحة من المليشيات المعروفة باسم الحشد الشعبي، التي دعيت للمشاركة في المعارك، حيث أن قلة عديد المقاتلين المتمرسين في صفوف قوات الجيش والشرطة العراقيين دعت حتى القادة العسكريين الأميركيين لأن يرحبوا بزج هذه القوات البديلة لمساندة قوات الجيش في المعارك".

وتابعت الايكونومست، أن "القوات العراقية تمكنت حتى الآن، من تقليص نسبة الخسائر بين المدنيين في الموصل، بدعم التحالف الجوي بقيادة الولايات المتحدة، لكن إذا ما أطلق العنان للمليشيات الشيعية فإن حملة أخرى من القتل الطائفي قد تظهر للسطح، وقد تدفع المدنيين الباقين في المدينة الذي يقدر عددهم بحدود 900 ألف سني، لأن يتحركوا نحو داعش، علاوة على ذلك فان الدور المتنفذ للمليشيات قد يضعف من قوة الدولة مقابل تعزيز موقف الحشد الشعبي" .

واستطردت المجلة، أن "المالكي يبدو تواقاً لبناء قوة طائفية أخرى من (البازدران) أو الحرس الثوري، شبيهة بالقوات التي تمتلك سلطة حقيقية في الجارة إيران"، وزادت أن "المالكي تمكن خلال إدارته كرئيس للحكومة للمدة الممتدة من 2006 إلى 2014، من بناء شبكات ما تزال تمده بالقوة والنفوذ لحد الآن".

وأكدت الايكونومست، أن تلك "الشبكة تمتد من الجهاز القضائي إلى المؤسسات المدنية والبرلمان، وأن هناك الكثير من ذوي المناصب العليا في العراق يكنون له الفضل في وصولهم للمناصب التي يشغلونها، وكان آخر عمل قام به كرئيس للحكومة هو سعيه لتشكيل قوات الحشد الشعبي"، واسترسلت أن "المالكي بينما كان يحاول لأشهر عديدة ثلم سلطة العبادي باتهام كبار وزرائه بالتقصير، اتخذ مؤخرا منحاً آخر بإبداء الدعم لقوات الحشد الشعبي، إذ صوت البرلمان في (الـ26 من تشرين الثاني 2016 المنصرم)، على قانون قوات الحشد الشعبي الذي يضم 110 آلاف عنصر تسدد رواتبهم من الحكومة ويكون خاضعاً لمراقبة البرلمان".

ومضت المجلة قائلة، إن "العبادي بدأ مقابل ذلك باستخدام قانون الحشد الشعبي الجديد بالتودد لعناصر المليشيات من أهالي العشائر السنية الذين نبذهم المالكي سابقاً عندما كان رئيسا للحكومة، مضيفة أن "العبادي قلم بإعادة الآلاف من ضباط وجنود الجيش العراقي السابق من أهل السنة وشمولهم بالرواتب الحكومية تحت قيادة محافظ الموصل السابق، أثيل النجيفي، ومن جانب آخر تم وبشكل هادئ اسقاط تهم الإرهاب المرفوعة ضد السياسي السني المدعوم من الخليج، خميس الخنجر، بمباركة من العبادي أيضاً، وتوجه عمار الحكيم، الذي يترأس اكبر كتلة برلمانية شيعية في البلد، إلى كل من عمان وبيروت ليتفاوض في خطوات تحقيق مصالحة وطنية تشتمل على عفو عن شخصيات سنية في المنفى قد قنطوا منذ مدة طويلة من التوصل لاتفاق مع قادة الشيعة في بغداد" .

وعدت الايكونومست، أن "الأمل يكمن في إنه إذا منح هؤلاء وعودا بمستقبل داخل العراق، فإن البعثيين السابقين وبقية الشخصيات الإسلامية السنية الأخرى، قد ينخرطون في تشكيلة القوات الرامية لطرد داعش من العراق".

وتنقل المجلة، عن دبلوماسي في بغداد قوله، إن "بعض الشخصيات الشيعية بدأت تدرك أنهم إذا لم يتمكنوا من الاستحواذ على السنة والكرد، فإن ما يبقى من العراق سيكون في خطر أن يصبح ولاية ومحافظة أخرى تابعة لإيران ."

واعتبرت الايكونومست، أن "فشل العبادي الرئيس هو سياسي، إذ لم يستطع كسر سيطرة الأحزاب الطائفية، ومنها حزبه الذي ينتمي إليه، على موارد خزينة العراق، لأن الأحزاب السياسية في كابينته ما تزال تستقطع مبالغ كبيرة من عقود حكومية لجمع أموال لتسديد رواتب عمال فضائيين في معامل ومؤسسات ميتة غير منتجة"، وزادت أن "العبادي بدلا من ملاحقة الفساد السياسي، بدد الدعم الذي منحه إياه المتظاهرون ضد الفساد وكذلك المرجعية الدينية، وقام باستقطاع رواتب الموظفين ورفع نسبة الضرائب".

ورأت المجلة، أنه على الرغم من "جميع هذه الانتكاسات فقد تمكن العبادي من استرجاع معظم الأراضي التي فقدت خلال عهد المالكي، وضمن أيضا دعما عسكريا متجددا من الولايات المتحدة وشهدت مرحلته زيادة بعدد القوات الأميركية بمقدار أربعة أضعاف عددها خلال العام 2016 المنصرم، وأصبحت هناك قوة جوية يعتمد عليها وفرقة عمليات خاصة اثبتت قدراتها في القتال، وأن قوات الجيش العراقي بدأت للمرة الأولى في عهد العبادي، منذ عقد من الزمن، تقاتل جنبا إلى جنب مع قوات البيشمركة الكردية" .

وأوضحت الايكونومست، أنه كذلك "ما يتعلق بجوانب الحياة الاجتماعية في بغداد فقد بدأت العاصمة تعود إلى استقرارها الطبيعي حيث شهدت بعض المناطق والشوارع رفع الحواجز الكونكريتية عنها وإلغاء بعض نقاط التفتيش فيها، لكن الاقتصاد العراقي يعاني من أزمة هبوط أسعار النفط والأنفاق الباهظ على إدارة المعارك الجارية ضد داعش في الموصل" .

ورجحت المجلة، أن "يحقق الاقتصاد العراقي، الذي انخفض بنسبة خمسة بالمئة في العام 2016 المنصرم،و14 بالمئة في السنة التي قبلها، نهوضاً نسبته خمسة بالمئة، خلال العام 2017 الحالي، بحسب توقعات صندوق النقد الدولي، وأن تبدأ الشركات الأميركية التي غادرت البلاد سابقا بسبب المشاكل الاقتصادية، الرجوع للعراق مجدداً ومنها جنرال اليكتريك" .

وعلى صعيد البرلمان، قالت الايكونومست، إن هناك "تحالفات غير اعتيادية بدأت بالظهور عابرة للخطوط الطائفية، فالكرد والعرب السنة والشيعة لم يعودوا يصوتون ككتل موحدة، وإن رئيس البرلمان، سليم الجبوري، وهو سني من الحزب الإسلامي، يتحدث عن تشكيل حزب عابر للطائفية في انتخابات عام 2018 ملتمسا من خلاله أصوات ناخبين من السنة والشيعة" .

وخلصت المجلة، إلى أن "العراق برغم اخفاقاته كلها ما يزال يعتبر أكثر البلدان ديمقراطية متعدد الأحزاب في الوطن العربي"، معربة عن أملها بأن "تقتنع غالبية الشعب العراقي بأن لهم مستقبلاً مشتركاً في هذا البلد".

اضف تعليق